كان الأستاذ (عبد الوهاب مطاوع) يقرأ بعمق وقوة ودقة، يقرأ باستمرار ومواصلة لا تعرف الكلل والملل، فالقراءة بالنسبة له هي الحياة، وهي الزاد الذي ينطلق منه قلمه ليحيا ويبدع، لم يكن مجرد قارئ عادي، وإنما كان القارئ الذي يقرأ ويتأمل ويستفيد مما يقرأ.
بل كان القارئ المتعايش مع ما يقرأ إلى حد التأثر النفسي والجسدي بسبب القراءة، بل عرفنا عنه هذا التلبس العجيب بالقراءة مما لم نسمعه مع مشاهير القراء في القديم والحديث.
ساقة القدر يومًا ان يقرأ رواية (هموم شخصية) للأديب الياباني (أوي كنزابورو) الحاصل على جائزة نوبل للأدب عام 1994م، استغرق في قراءتها بلهفة، وعايش شخصية أبطالها، وتعاطف مع بعضهم وصادقهم، حتى أنه كاد يتخيل ملامح وجوههم.
وحينما كان يقرأ هذه الرواية في فراشه، غلبه النوم وسقط الكتاب من يده كالعادة، وكان آخر ما قرأ من هذه الرواية، هو وصف الكاتب الدقيق إلى حد الإبداع، لحالة الغثيان التي انتابت بطل الرواية، والتقلصات المؤلمة التي أحس بها في معدته، والآلام الرهيبة التي أحسها وهو يفرغ جوفه عدة مرات في الصباح، وفي الفصل الدراسي.
ثم راح الأستاذ مطاوع في النوم وصحى في الصباح، على شيء غريب وهو، تقلصات شديدة في معدته هو وليس معدة بطل الرواية، وغثيان مؤلم وخانق ، هرول على إثره إلى الحمام ، حيث تكرر نفس المشهد الذي قرأه قبل ساعات، بكل تفاصيله الموجعة، وأمضى نهار ذلك اليوم مريضًا سقيمًا.
يقول مطاوع: "فإذا قلت لي: إنها مصادفة غريبة وإننى لابد أني قد طعمت شيئا ملوثا في الخارج فحدث ما حدث. أجبتك بأنني أعيش على الطعام المسلوق ولا أكاد أتذوق شيئا خارج بيتي، إلا للضرورة الاجتماعية القصوى، ولم أكن مدعـوا أو داعيا في الليلة السابقة إلى غداء أو عشاء خارج بيتي.. فمن أين جاءني هذا الغثيان القاتل ؟"
وسارع كاتبنا الكبير أو قارئنا الكبير كما يقتضي الحال وصفه بذلك، ليستشير طبيبا في الأمراض الباطنة فيما حدث له، فلم يجد تفسيرا عـضـويا له.. وأكد له أن التفسير الوحيد له، هو تأثر عقله الباطن بأحداث الرواية .. ومشهد الغثيان الذي أجاد الكاتب تصويره بدقة إلى حد الإبداع.. وأن هذا العامل النفسي وحده، يمكن أن يكون له هذا الأثر .
وتساءل مطاوع: هذا هو تفسير الطبيب الباطني .. فهل ترى أن الوقت قد تأخر كثيرا على استشارة الطبيب النفسي ؟"
وهل يمكن فعلا للقارئ أن يسوقه تأثره بما يقرأ لمثل هذا التفاعل العجيب؟!
هل حدث ذلك لأحد القراء يوما ما؟!