دائما أنا هكذا من هؤلاء المتسرعين في الحكم والقول على الأشياء، دون روية أو تبصر أو تأمل، فمجرد أن تظهر شبهة في كلام لا أقبله، وأراه مخالفا لفهمي ومعتقدي، حتى تنجر عاطفتي لرفضه والتنكيل به، ثم أفيق على كارثة تسبب فيها تسرعي المجحف، حينما أجعل المظلوم في موقع الظالم وأتجنى عليه وربما أجرح شعوره.
وتنتقل نفسي التي شعرت منذ لحظات بالارتياح حينما أعلنت رفضها وعبرت عن مكنون غضبها، وهي ساخطة بشديد القول ونكير اللفظ، إلى شعور آخر مختلف وهو الشعور بالحرج الشديد الذي يتمنى المرء معه أن لم يكن كاتبا في يوم من الأيام، ولا عرف معنى القلم والإشارة به حتى لا يقع في مثل ما وقعت فيه من هذا الخجل الشديد.
وهناك أناس ربما تخطئ في حقهم ثم تعتذر لهم وتعلم أن هذا الاعتذار يطيب خاطرهم ويجلي صدورهم فتكتسي النفس بالاطمئنان والراحة.
لكن هناك نوع آخر تشعر أمام خطئك فيهم أن الاعتذار لا يوفيهم حقهم، أو يزيل آثر الغباوة التي أطلقتها عليهم.. وهو الشعور الذي وجدته منذ قليل مع الأديبة القديرة والإعلامية الفريدة الأستاذة نهى الرميسي.
الأستاذة نهى عرفتها من الكاتبات الرساليات ذوات المستوى الرفيع، وأقدر فيها قلمها وطرحها وأصالتها الفكرية، واعتزازها بهويتها الدينية، ومنذ ساعات نشرت مقطعا إذاعيا لها في اتصال مع الراحل المؤرخ الكبير قاسم عبده قاسم، لم تعط الأستاذة نهى في تعريفها بالمقطع أي إشارة أنها المحاورة، وذكرت قولا منكرا للدكتور جابر عصفور بأن الإسلام لم يعرف قيمة التسامح عمليا، بينما الغرب يعمر تاريخه بمعاني التسامح، حتى يرد الدكتور قاسم على هذا الهراء.
جاء الظن في نفسي أن المحاورة تعبر عن قناعتها وفهمها وتشتشهد بقول أحد المرجفين، ومن ثم أثار الكلام حفيظتي وانهلت في تعليقي سبا وتقريعا للمحاورة، ولم أكن أعلم أن الإعلامية الحاذقة، طرحت شبهة لأحدهم ترفضها وتعلم أن الدكتور يرفضها حتى يرد عليها ويصحح مفاهيم المستمعين، ويثبت لدينه ما حاول الحقدة ان يمحوه عنه.
كان تعليقي عنيفا، بهذا العنف الذي تقف وراءه الغيرة التي ورثناها من شيخنا الغزالي رحمه الله، وكانت فيه كلمات بشعة قيلت في غير أهلها من خيار الناس وأنقاهم وأرفعهم.
الأستاذة لا شك أذهلتها حدة التعليق ومن ثم أرادت أن تستفهم قصدي ومغذاه، وحينما شرحت لي أنها من تحاور الدكتور، وانها عرضت الشبهة ليرد عليها.. أُسقط في يدي وانعقد لساني وغرقت في شلال من الخجل والحرج، وكان موقفا لا أحسد عليه، فاعتذرت لها وقبلت السيدة بسماحتها وتفهمها، ولكني لم أقتنع أن هذا الاعتذار يمكن أن يريح النفس من شعورها بالخطأ في حق أناس لا يصح أبدا أن تصيبهم مخالب التعبير حتى ولو بهذا الخطأ.
يجب على الاستاذة الأديبة أن تقترح علي عقوبة تريحني وتقنعني أنها قبلت العذر وتفضلت بالصفح.
وبعد هذا هل يا ترى تتعلم النفس ترويها في الحكم على الأشياء، حتى يكون حكمها سليما صائبا، دون ظلم أو تجريح.؟! ليتها تتعلم.