ضغط الأسفلت على عجلات الصباح المتعبة. زحمة المدينة الرمادية الخانقة تسللت إلى رئتي آدم، فكأنها لم تعد تتسع إلا لثقل يطحن أضلاعه. تسرب الوهن عبر كل مسامه: أنين المباني المتصدعة يتهادى في الأفق، همس باهت في العيون الفاقدة لبريقها، وشخير آلة المدينة العملاقة التي لا تتوقف عن سحق الأرواح.
لطالما شيد آدم حوله جدرانًا بلورية، احتمى بها من قسوة الواقع. لكن ثقل اليوم كان مختلفًا. ارتجفت يده وهو يمد لابنته كوب الماء مع بزوغ الفجر؛ وجهها شاحب، والمرض يتسلل إلى عظامها كشبح بارد. عندما انهار أخيرًا على الرصيف البارد، لم يكن ذلك مجرد سقوط جسدي أنهكه التعب. برد الرصيف اخترق عظامه بلا رحمة، وصوت المدينة العملاق ضغط على صدره كآخر أنفاسه، بينما وجه ابنته الشاحب صرخ في روحه بعجزٍ صامت.
وفيما كانت تتنفس آخر شذى للعطر، لاحظت بقعة غريبة تتشكل على حائط الغرفة، لم تكن مجرد ظل. بدأت تتسع وتتجسد، لمسها العطر، ثم امتدت لتشكل نفس "القبضتين الشفافتين" اللتين شعرت بهما، لكن هذه المرة كانتا تمدان يديهما إليها، وتسحبانها بهدوء إلى داخل البقعة الداكنة، لتذوب هي الأخرى ببطء مع العطر في الفراغ.