في لحظة سكون غامضة، مع خبو ضوء النهار الأخير، طغى على حواسها عبقٌ خفي. لم تشم ليلى مثله قط؛ كان يتدفق في الفراغ كمزيج من رذاذ أمطار بكر هبطت على أرض لم تطأها قدم، وأريج معادن نجمية من مجرات قصيّة لم تكتشف بعد. همسٌ من العدم، نداءٌ من اللاوجود، أيقظ فيها دافعًا غريبًا.
تبعت ليلى هذا الشذى المتلاشي، قادها في جنون صامت نحو زاوية الغرفة المضاءة بالظل. لم تجد شيئًا ماديًا سوى دفء خافت يلف المكان، ثم انطباع قبضتين شفافتين تذوبان ببطء في أثير الفراغ، كفقاعات صابون تتلاشى. في تلك اللحظة، اخترقها صقيع الإدراك بحدة. شعرت كأنها لم تعد ترى الجدران حولها، بل اتسعت عيناها لتشمل اللانهاية، وذابت قدماها في الأرض، أدركت حينها أنها مجرد وميض عابر في كون لا نهائي، قد وُجدت وستغيب. لكن ذلك العطر الخالد ظل يملأ المكان، شاهدًا صامتًا على بصمة روحها التي لا تمحى.
وبينما كان يحدق في السماء الرمادية، لم تكن ابنته هي من على فراش المرض في المنزل. كان انعكاس وجهه الشاحب، بعينين غائرتين، هو ما رآه في كوب الماء الذي قدمه لنفسه فجرًا. المرض كان يتسلل إلى عظامه هو.





































