نظرة آسرة انبثقت كشهاب ثاقب، عينان واسعتان تطالعان بثبات نافذ، كسهم مصاب يستقر في قلب العتمة، مفعمتين بأسرار الغيب، نافذة روح "ليلى" المثقلة بسر دفين، ووجه ينطق بصراعها الدفين بين عتمة مطبقة ونور خجول، في سكون الليل. خصلات حالكة تنساب على الجبين كسدول الأبدية، تخفي أسرارا أعمق من الظلام ذاته. هنا، تجسدت لحظة صامتة، قصة معلقة على أهداب الزمن، محفورة بعمق في تعابير هذا الوجه المغرق في الغموض.
في قريتها المنسية، حيث يلف الدجى، كانت تحمل وصمة "عين الظلام" الموروثة، ونظرات أهلها تخالطها خشية من جدتها وقوى الغيب التي عقدت معها صفقة مشؤومة. شعور خفي بالانجذاب يسحبها في سواد الليل نحو كهف مظلم، بئر أسرار الغيب. ذات مرة، حين تجنبتها عجوز القرية بفظاظة وهمست بكلمات عن "عينها الملعونة"، شعرت ليلى بوخز مرير، وإصرارها على كسر الوصمة يشتعل في عينيها.
ذات ليلة اشتد الشعور، وكأن سهما أصاب روحها المثقلة. وجدت نفسها أمام مدخل الكهف، وخصلات شعرها الحالكة تتطاير مع الريح العاتية. للحظة ترددت، لكن طيف وجه أمها الهادئ منحها قوة دافعة. حين ولجت، انشق الظلام عن مرآة عتيقة، ظهر فيها وجه منشطر بين النور والعتمة، يشبه وجهها لكن بنظرة قاسية كشفرة باردة، روح جدتها حبيسة المرآة، تتغذى على نور سلالتها، وليلى هي الوعاء الأخير.
لكن روحها المثقلة لم تستسلم، وميض نور خجول يرفض الانطفاء في أعماقها. تستمد القوة من ذكرى أمها الراحلة كنقش أبدي على العقيق، ومن همسات الريح التي تحمل حكايات الأجداد كأغان خافتة، بعزم على كسر اللعنة المعلقة على أهداب الزمن. واجهت أوهام المرآة، وصراعات داخلية محفورة بعمق في تعابير وجهها المغرق في الغموض، حتى استقر في وعيها أن مفتاح التحرر يكمن في نبذ الخوف واحتضان النور الخافت في قلبها.
في لحظة حاسمة، وقفت أمام المرآة. أطلقت العنان لحب دفين في روحها، فانبثق نور أبيض بدد عتمة الكهف. تحررت روح جدتها أخيرا، وتلاشى سواد الليل. عادت ليلى إلى القرية كنجمة فجر جديد، ونظرتها الآسرة تحمل وعدا بالسكينة والرجاء. لكن فرحتها سرعان ما تراجعت. بينما كانت تنظر إلى انعكاسها الشاحب في بركة القرية الهادئة، رأت خلفها شبح الجدة يغتر بابتسامة باردة كصقيع الشتاء، وكأنها تلوح بوعد زائف بالسلام، عيناه تشتعلان ببريق أسود أكثر حدة، مما يوحي بأن الرابط الذي ظنته مقطوعا ما زال يتردد في أعماق الليل، ينتظر عزفا جديدا يهدد بنسف كل ما حققته.
1
-2
