تتراقص ألسنة النار في هدوء الليل العميق، راسمةً ظلالًا مرعبةً على الوجوه السُّمر. جثم عزيز القرفصاء، عيناه متجمدتان من الذعر، والصمت الثقيل يخنق أنفاسه. خلفه، توارت أكواخ الطين، شواهد صامتة على خوف قديم يتجدد.
وبينما منير يتوغل بخطوات واثقة في العتمة، مستسلمًا لإغواء المجهول، تجسّد أمامه الكابوس. من بين ظلال الشجر، انشق الظلام عن الغريم: عملاق هائل يتهادى بخطى ثقيلة، كأنه جزء من الليل نفسه. بريق عينيه المخيف اخترق الستار الضبابي، وأصابعه المدببة تمددت كأغصان عارية، تستعد للفتك.
في تلك اللحظة، زمجر الرعب في أعماق عزيز، ليكشف له السر المروع الذي طارد ليالي القرية النائمة طويلاً، السر الكامن وراء اختفاء الرجال. حُبست صرخة مكتومة في حنجرة عزيز، تجمدت أطرافه، فَهَوْلُ المشهد وحده يلسعه. تمنى لو تبتلعه الأرض، لو يتبخر جسده ليصبح عدمًا، فقط ليفلت من هذه الحقيقة القاسية التي زحفت لتخنق وجوده.
غارقاً في تفكيره، يخطو منير نحو المجهول بقلبٍ يملؤه الأمل في غدٍ أفضل، لم يلمح شبح الغريم ولم يدرك همس الخطر الزاحف نحوه، تارِكاً القرية خلفه تضجُّ بالخرافات.
عندما انبعث صوت مكتوم، كأن الأرض تلفظ أنفاسها الأخيرة، ارتجف جسد عزيز. أدرك أن الظلال قد ابتلعت منيرًا، ليصبح قرباناً جديداً للغريم. فجأة، اشتدت النيران، كأنها تبدد ستائر الحقيقة. رفع عزيز رأسه، فإذا بالغريم قد شق الظلال صعوداً، ممتداً في عظمة مهيبة. وحينما انحنى بهدوء نحو القرية، وضع منيرًا برفق على الأرض، ثم التفت إلى عزيز وقال بصوت عميق مخترقًا الصمت: "لقد جاء دورك لتكون حاميَ القرية."
شحب وجه عزيز، وانهار رعبه القديم أمام حقيقة قاسية: فالكائن الذي ظنه مفترساً، كشف عن طبيعة الوصي الخفي لهذه الأرض. ومنير لم يُقتل، بل غُيِّبَ ليحلَّ عزيز مكانه. ظل عزيز جالساً متصلباً، وعيناه تتسمران على النيران التي خفتت، ويدرك أن اللعنة قد انتقلت إليه، وأن دور الحامي قد بات مصيراً لا مفر منه. لم تكن هذه نهاية، بل بداية لعنة أبدية، عبء جديد يثقل كاهله، ويجعل منه شبحاً آخر في ليل القرية الأبدي.