جلس المحقق سالم في قلب مسرح الجريمة الرابعة. لم يعد المكان موقعاً للتحقيق، أصبح تكراراً مُمِلاً ومروعاً. الساعة الحادية عشرة تماماً. الضحية "أحمد"، رجل أعمال ثري، منهار على مكتبه الفاخر.
همس دون أن يرفع نظره: "نفس الطريقة؟"
أومأ الطبيب الشرعي، وارتجافة خفيفة تعبر وجهه المهني. "جرعة قاتلة لا تترك أثراً. لا مقاومة. مات وهو جالس، يحدق في شاشة حاسوبه المطفأة. تماماً مثل البقية."
تجاهل سالم الأوراق المالية المتناثرة والأسهم المكدسة. كان عالمه الآن يرتكز على نقطة واحدة: قبضة أحمد المتشنجة. استعان بملاقط لفك الأصابع المتيبسة ببطء. سقط على سطح المكتب مفتاح نحاسي قديم، لامع وبارد.
تتبع سالم بنظره إشارة خاطفة لم تكن مادية. حرك كومة من مجلدات القانون البالية. أسفلها، استراح صندوق خشبي صغير، مُزَيَّن بنقوش باهتة، مُثَبَّت بقفل نحاسي يطابق المفتاح الذي في يده.
شعر سالم بالثقل يتضاعف. لم يكن الصندوق يحوي ذهباً، صمت كثيف. ورقة بيضاء مطوية بدقة عسكرية، وإلى جانبها، ثلاث أدوات؛ ثلاث مبارد أظافر؛ رخيصة، مُسْتَهْلَكة حتى التلف، وحوافها مهترئة.
انزاحت ابتسامته الساخرة أمام الكلمات المكتوبة بخط يد أنيق وبارد:
"حان الوقت للانضمام إلينا. لن تحمل هذا العبء بعد الآن."
عاد بذاكرته إلى الأشياء التي انتزعها من قبضات الضحايا الثلاثة الآخرين: قلم حبر جاف فارغ، ومنديل ورقي مُلَطَّخ بأحمر شفاه، وعلبة كبريت مبللة. كانت كلها أشياء مُلْقَاة، بلا قيمة، يمكن أن تجدها على أي مكتب.
لمعَت أظافر أحمد النظيفة والمقصوصة بدقة تحت ضوء المكتب. نظر سالم إلى المبارد المهترئة مرة أخرى، ثم إلى مفاصل الصندوق النحاسية التي تحمل خدوشاً صغيرة، ثم إلى المفتاح الذي لم يعد مفتاحاً.
هنا، ضربته القسوة، كصاعقة باردة. لم تُستعمل تلك المبارد لتقليم الأظافر، أبدًا. لقد استُخدمت في محاولة يائسة، ثلاث محاولات محمومة لإزالة المسامير، لفتح الصندوق عنوةً قبل وصول المفتاح. ثلاثة أرواح سابقة، كل منها بمبرد، كانت تحاول بصمت أن تترك الصندوق مفتوحًا وفارغًا، دليل نجاة أخير لأحمد.
أحمد، الضحية الرابعة والأخيرة، لم يجد في الصندوق شيئاً سوى الدعوة الأخيرة. وعندما انتهى من قراءة رسالتهم، كان قد استسلم للقدر المشترك، لكن يده المتشنجة كانت ترفض التخلي عن المفتاح الذي أصبح بلا قيمة له أو لأي أحد الآن.
تراجع سالم خطوة إلى الوراء، حاملاً المفتاح والمبارد الثلاثة. كان كل مبرد يمثل روحاً يائسة انتهت قبل الأوان. كانت الجريمة الحقيقية مخبأة في طيات السر الذي أجبر أربعة شركاء على إنهاء حياتهم واحداً تلو الآخر.
نظر إلى أحمد، ثم إلى المفتاح. لم يكن المفتاح دليلاً يقود إلى قاتل، كان شاهداً صامتاً على آخر محاولة فاشلة للنجاة من السر.






































