جلستْ على رصيف الانتظار، يدان متقاطعتان وعينان متوجستان. ثوبها البرتقالي، بلون الغروب، ينسدلُ عنها كشلالٍ صامت، يعانقُ حوافه بياضٌ عتيق. زهرةُ شفقٍ تتوهجُ في خصلات شعرها، كنجمةٍ تائهة.
على يمينها، حوضُ ماءٍ تتراقصُ فوقهُ قطراتُ ندىً عابرة، وحوله أزهارٌ، منها واحدةٌ حمراءُ تحدّقُ في اللاّشيء، كشاهدةٍ صامتة. قدمٌ عاريةٌ، تُلامسُ برودةَ الحجرِ، تُخبئُ خلفها أثرَ خطواتٍ بلا عودة.
كانت تراقبُ الظلالَ ترقصُ على جدرانِ الصمتِ، وتُصغي إلى نبضِ الفراغِ الذي يتسعُ في صدرِها. فجأةً، لمعَ في عينيها بريقٌ خافتٌ، إدراكٌ مرير. أدركتْ أنَّ كلَّ ما في هذا الكونِ، من أزهارٍ تذبلُ إلى أحلامٍ تتلاشى، ما هو إلا انعكاسٌ لصورٍ خُلقتْ في خيالٍ مريضٍ. الثوبُ البرتقاليُّ ليس إلا كفنًا لوهم، والزهرةُ في شعرها مجردُ زيف.
رفعتْ رأسها، نظرتْ مباشرةً إلى الأفق، وابتسامةٌ مريرةٌ ارتسمتْ على شفتيها. لم تكن نظرةَ امرأةٍ تنتظرُ حبيبًا، بل نظرةَ لوحةٍ أُنجزت، وتُعرضُ للمرةِ الأخيرةِ قبلَ أنْ تُحرقَ.