جلس مصطفى على الرصيف، سلة فارغة بجانبه. كانت الشمس ترسم ظلالاً طويلة على وجهه. أصوات الشاشات الملونة تنبعث من المقاهي القريبة، تحمل وعودًا بـ "ربيع" لم يأتِ.
اقتربت فتاة صغيرة، تحمل بين يديها قطعة خبز. توقفت أمامه، ووضعتها في سلته. انفرجت محياها بابتسامة حفرت على وجهه أملًا جديدًا. أسرّت بصوت خافت، كوشوشة الريح: "أبي يقول إن كل شيء ندفنه اليوم سينبت غدًا".
نظر إلى قطعة الخبز، ثم إلى الكلمات المخطوطة على وجهها: "أيها المارقون من خلف كثبان الوهم.. انصفوا التاريخ لينبت زرعكم بأرضنا!".
هبّت ريحٌ قوية. شعر بانحناءة في ظهره، ثم استقام، كأنما يتحرر من حمولة ثقيلة. لم يجد قطعة الخبز في السلة، فقط البطاقة كانت هناك، تضيء بوهجٍ خافت. شيع رأسه، كمن يبحث عن شيءٍ فوق السحاب. نهض ببطء، رافعًا سلة فارغة صارت أثقل من أي شيء. خطا خطوته الأولى في شارع لم يعد مألوفًا.