في ركن قصي من غرفته، حيث كان الغبار يتراقص في خيوط الضوء الضعيفة، جلس مصطفى محاطًا بثلاث مجموعات من الأوراق العتيقة. على شاشة هاتفه، كانت إشعارات دعوات براقة تومض وتختفي، لكنه كان يمرر عليها إصبعه دون اهتمام، حتى استحال وجودها. كانت تلك المجموعات هي عالمه، وكنزه الذي لا يريد أن يشاركه أحدًا.
بترددٍ لامس المجموعة الأولى، "خطيئة". تحت أصابعه، شعر بجلدها القديم يتشقق، وكأنها نبض قلبٍ يكتم أنينًا. فتحها، فانتشرت رائحة الحبر القديم والزمن، ورأى نفسه من جديد يغوص في متاهات كلماتها. لم يكن يقرأ، بل كان يستعيد تجربة كاملة.
توقفت عيناه على عنوان "وجوه الظل والنور"، فابتسم ابتسامة باهتة. لم يكن يتذكر أنه كتب هذه الكلمات، بل كأنه عاشها. وفي المجموعة الثالثة، "مراثي الأكفان"، شعر ببردٍ يغشى جسده، كأن الأوراق تهمس له بأسرارٍ كانت مدفونة.
لم تعد الشاشات تثير اهتمامه. نظر إلى الأوراق بنظرةٍ جديدة، ثم قام من مكانه ووضعها على مكتبه، تحت الضوء مباشرةً، كأنه يمنحها الحياة.
وفي صمت الغرفة، بدا له وكأن صوتًا خافتًا يرتفع من بين الأوراق، صوت يهمس له من عمق الزمن: "وشوشة الأبد".