على وجهها، نقشت السنون حكايات لا تُحصى. عينان غارت فيهما الليالي، لكن بريقهما الخافت كان كنجم يتحدى فناء الزمن. خطوط وجهها هي خرائط صبرٍ أوشكت أن تُطوى، وشفتان طُبعت عليهما ابتسامة رضا عتيقة، كطية كتابٍ خُتمَ على رضا.
أذنها المعلقة بقرط زمرّديٍّ ظلت تتلقف همسات الكون وصمت الذكريات. شعرها كان وشاح ثلجٍ ينسدل، يخفي فصول رواية لم تُروَ بعد. في عمق هذا الوجه الأنيق تكمن حكمة قرون وصمت تجارب كبرى. إنها ليست مجرد امرأة عجوز؛ بل قصيدة حية تنبض بالمعنى، كل حرف فيها يومئ لزمن ولّى، لكنه لم يذهب هباءً.
كانت تُحدّق في اللازمن بعينين لا ترمشان، كأنها تُمسك بخيط الأبدية بين أناملها الذابلة. لكن في آخر رمشة، انكسر الخيط، وتبعثر وشاح الزمن، ليكشف أن الوجه لم يكن سوى مرآة معلقة في متحف مهجور، تعكس آخر زائرة غادرت للتو.