ظلَّ يحدّق في السقف، يرى فيه رغيفاً يتأرجحُ بين الحُلم واليقظة، وقنينة ماءٍ يتراقصُ سرابُها في عينيه الغائرتين. كان بطنهُ يغزلُ خيوطاً من الألم، وحلقُه يابساً كصحراءِ النسيان. لم تعد الأصوات تُزعجه، ولا الانفجارات تُفزعه، فقد كان الجوعُ أشدَّ وطأةً وأقسى من أي قذيفة. في لحظةٍ ما، سمعَ همساً غريباً، همسٌ يُشبهُ خريرَ الماء، وتسللَ إلى أنفِه عبيرُ خبزٍ ساخنٍ، فابتسم. ابتسمَ ابتسامةً عريضة، وكأنهُ وجدَ ضالّتهُ أخيراً. لم يكن يعلمُ أنَّ الموتَ قد جاءَ ليقدّمَ لهُ وجبتهُ الأخيرة.