كانت الممحاة أول ما طلبه من التاجر. دفع ثمنها وسحبها من جيبه، ثم مسح اسم "مصطفى" المحفور على ساعده بعناد شديد. لم يترك أثراً، فقط بياضاً ناصعاً.
نظر في المرآة. الابتسامة المرتعشة كانت تحتاج إلى الكثير من التدريب. سحب منديلاً ومسح غبار الطريق عن حذائه اللامع، ثم وضع في حقيبته الرسمية حزمة من الأوراق الثمينة وعربوناً سميكاً.
عند نقطة التفتيش، لم يرفع رأسه. قدم الوثائق للمجند الشاب الذي كان يرتدي قميصاً قديماً من قطن مدينته البالية. لم يكن المجند سوى ابنه.
ارتعدت يد الشاب قليلاً، لكنه لم يقل شيئاً. مرر الوثائق، ثم أشار ببرود: "تفضل بالمرور، يا سيدي".
ركب "مصطفى" سيارته الفارهة وغادر نحو العاصمة الأخرى.
فجأة، شعر المجند بوخز غريب. فتح يده، فوجد بقعة دم صغيرة سالت من مكان اسم "مصطفى" الذي مسحه والده على ساعده. نظر إلى البقعة، ثم رفع يده ووشمها على صدره فوق قلبه.
همس المجند لنفسه بصوت خافت جداً: "التراب لا يُباع يا أبي، والاسم لا يُمحى."
ثم سحب البندقية ووجهها نحو مؤخرة سيارة مصطفى التي كانت تختفي في الأفق.
كاتب وقاص ليبي