الرماد ابتلع غزة. سكن بين أنقاض بيت سمير، غطى جدرانًا همست بضحكات أخته فاطمة، وحملت رائحة خبز أمه زينب. صمت ثقيل يقطعه أزيز الريح، تصفّر عبر تجاويف المنازل المهدمة. أمسك سمير ذو الثمانية أعوام بوعاء معدني، لامع من فرط الاستعمال، فارغ من كل شيء. انعكس وجهه الشاحب في قاعه. عيناه الغائرتان تحدقان.
قبل أشهر، كانت حياة. البحر الأزرق خط أفقًا. أبوه يعود بأسماكه الفضية. فاطمة تركض في الفناء خلف فراشة، جديلتها السوداء تتأرجح. الأيام مرت على إيقاع ضحكاتهم الخفيفة. الآن، جدار نصف متهدم يظلل زاوية تجلس فيها زينب. جسدها منهك، عيناها تحدقان في اللا شيء. شفتاها المتقرحتان تتمتمان.
في ليلة باردة، أيقظته تقلصات أحشائه. الجوع. حاولت يداه إيقاظ زينب. لم تستجب. غرقت في سبات المنهكين. تسلل سمير إلى الخارج، وعاءه بين يديه البارحتين. المدينة، متاهة ظلال وعتمة. الأنقاض تشابكت كأذرع عملاقة تلفّه. كل خطوة زادت وطأة البرد.
تجمّعت الغيوم. انفتحت السماء. مطر بارد يجلد وجهه المتسخ، قطراته تختلط بماء متجمع حول عينيه. رفع سمير وعاءه نحو السماء. المطر يترسب في قاعه. لا صوت. لا حركة. جسد صغير يرتجف، ووعاء يمتلئ بقطرات المطر.
عاد إلى الجدار المتبقي. وضع الوعاء. انكمش على نفسه قرب جسد زينب. أغمض عينيه. مرت أمامه صورة ضحكة فاطمة، ودفء شمس غزة الذهبية. فتحهما. لا دموع. عينان ثابتتان.
في الفجر، استيقظت زينب. نظرت إلى سمير. ثم إلى الوعاء. نظرة متبادلة. مدّت يدها، ربت على رأسه. نهض سمير ببطء. التقط الوعاء الفارغ. قبضت أنامله الصغيرة عليه. رفع بصره نحو الأفق الرمادي.