كانت أيامه سفرًا أزليًا، يرتشفُ الندى من كل زهرةٍ عابرةٍ ثم يمضي. تلاشى صدى أسماؤهن في دهاليز ذاكرته كهمسٍ باهت. وعندما التقت عيناه بليلى، توقد فيه شوقٌ لم يعرف له مثيل. وقبل أن تُعقد الرباطات، همس سؤاله المعتاد، ذاك الذي يطارد كل لقاء: "من أيّ نبعٍ أينعتِ يا قمر؟"
همست ليلى، فكانت كلماتها حفرًا لهاويةٍ في أعماقه: "أمي... عائشة."
كان الاسمُ عليه صاعقةً. عائشة! الزهرةُ الأولى التي اقتطفها، ثم واراها التراب في غياهب النسيان. انكشف المستورُ بلمح البصر، وتهاوى قناعُ ابتهاجه. غادرَ بهيجُ المكانَ مثقلًا بجبالٍ من الخزي، تاركًا خلفه سرًا دفينًا تحت ركام سنين من اللهو، وحقيقةً قاسيةً عضتْ على نياط قلبه: ليلى كانت مرآةً تفضحُ ماضيه الغافل، ثمرةَ نسيانه المُرّة.