في وهنِ الدجى، يمشي وحيدًا بين القضبان، ظلٌّ باهتٌ يئنُّ بثقلِ دهرٍ. حقيبتهُ المثقلةُ ككاهلِ ماضٍ يطاردهُ، مهربٌ أبديٌّ نحو المجهول.
على الضفةِ الأخرى، تجلسُ امرأةٌ، وجهها الحزينُ يُخفِيهِ وشاحُ الضبابِ، وحقيبةٌ قرمزيةٌ تتوسّدُ قدميها. يقتربُ القطارُ البخاريُّ كشبحٍ يدخنُ، صفيرهُ المتقطعُ وعدٌ غامضٌ بالرحيلِ. عيناها تحدقانِ في الأفقِ، تنتظرانِ الخلاصَ.
فجأةً، يرتجفُ القضيبُ تحتَ قدميهِ بعنفٍ. يلتفتُ مذعورًا، فالوحشُ الحديديُّ ينقضُّ عليهِ بسرعةٍ جامحةٍ، لا مفرَّ. لم تكنْ المسافرةُ المنتظرةُ هي، بل كانَ هوَ المسافرُ إلى العدمِ. الصدمةُ تخنقُ الأنفاسَ، تنزلقُ الحقيبةُ، لتنفتحَ ويكشفَ ما بداخلها: تذكرةُ سفرٍ باسمها، وعنوانُ المحطةِ التي تجلسُ فيها. تذكرةٌ لم يكن ليبلغها، كانت له تذكرة اللاعودة.