ارتجفت يده وهي تلمس زجاج المرآة. لم يكن وجهه ما يراه، بل وجه رجل آخر، نحيلٍ رسمت التجاعيد على جبينه خرائط يأسٍ دفين. شعرٌ كلون الفجر الكاذب يغزو سواد أيامه. عينان بئران جافّتان. لامس ذلك الوجه الغريب بوجل، كأنه يتحسس قبرًا مفتوحًا.
انقضّت قبضته على الزجاج بغضبٍ مكبوت، فتحوّل إلى ألف وميضٍ جارح. تناثرت الشظايا على أرضية الغرفة. في كل قطعةٍ منها ارتدّ إليه وجهه الحقيقي: شاب في الثلاثين، بملامح حية وعينين تفيضان بشبابٍ مُغتصب.
أحسّ بثقل نظرةٍ من خلفه. استدار ببطء، ليواجه ذاته المُسنّة، شبحًا حيًا لما ستؤول إليه أيامه. التجاعيد ذاتها. الشيبُ نفسه. والفراغُ المُطبق على الحدقتين.
تحرّك الطيف العجوز. ارتفعت يدٌ مجعدة تحمل ندبةً عميقة. أشارت إلى الجرح. ثم إلى فُتات المرآة. صمتٌ أبديّ. رسالته وصلت: "الجروح لا تلتئم بالوقت، بل بالقرار".
التقط الشاب شظيةً صغيرة. رأى فيها بريق عينيه. انتشل هاتفهُ الصامت من جيبه. ضغط رقم "سارة".
لم يُطلق الجهاز صوتًا. شاشةٌ ميتةٌ، عكست وحدتهُ القاتلة. رفع بصرهُ المثقل بالتردّد إلى المرآة. لم يكن هناك أحد خلفه. فقط البلور يلمع على الأرض. على وجهه استحالت ابتسامته.