لم يكن "هو" سحابةً عابرةً، بل مطرًا اخترق جدْبَ ذاتي، فكان وطنيَ الأزليَّ الساكنَ نبضي. لم أسألهُ يومًا عن سببِ الرحيلِ، بل عن جرأةِ قلبهِ على الهجرةِ والصمتِ، وهو الذي علَّمني أنَّ الرياحَ وحدَها تحملُ جوازاتِ الغيابِ.
بعدَهُ، تضاءلَ ظلِّي حتى كادَ يختفي. جِراحي لم تكن تنزفُ دمًا، بل حريرًا مُذابًا، دافئًا وغريبًا، يُذكِّرني برقةِ لمساتِهِ. تحوَّلتْ أُغنيتي إلى نشيجٍ خافتٍ يترددُ في مساحاتِ المساءِ الفارغةِ.
حين هوى نجمُهُ من سمائي، سعيتُ يائسةً لشعلةٍ تُنيرُ عتمتي وتُلملمُ شتاتَ قلبي المُمزَّقِ بعاصفةِ الفقدِ. كانت خطواتي أثقلَ من جبالِ انتظاري الأبديةِ. لم أُعاتبهُ يومًا على ما فعلَ، فالحبُّ لم يكن دينًا لهُ قضاءٌ أو ثمنٌ يُدفع.
لكنَّ قلبي اليتيمَ كان يسألُ عن صدىً لصدقِهِ، عن مرآةٍ تعكسُ صورتَهُ كاملةً لا شبحًا باهتًا مُشوَّهًا بالغيابِ.
وفي لحظةِ انكشافٍ مُذهلةٍ، بينما كنتُ أتتبعُ خيوطَ الحريرِ المذابِ على وسادتي، اكتشفتُ أنها لم تكن دموعَ جِراحي، بل بقايا شرنقةٍ فارغةٍ تركها خلفَهُ قلبي المتحوِّلُ... إلى فراشةٍ تطيرُ بعيدًا عنِّي.
حسين بن قرين درمشاكي كاتب وقاص ليبي





































