في ظلمة الفناء، حيث تتراقص الأرواح الخبيثة مع رياح الخذلان، جلست ليليث قبالة قمرٍ مُلتهبٍ. كانت تشحذُ مقصَّها ببطء مُريب، فكلُّ حركة نصلٍ توقظُ ذئبًا من سباته. حولها، تلألأت خناجرُ النوايا على الرمال المبللة بندى الهشيم، مُصطفةً في انتظارِ حكمِها الأزليّ.
لم تكن تلك التي تلقي التعاويذ؛ فبين يديها قبضت على المقص، تقصُّ خيوط القدر بلا هوادة. كلُّ شراعٍ متصدّعٍ في الأفق، وكلُّ سفينةٍ تحترقُ في بحر النسيان، كانا نتيجة قصةٍ حادةٍ في نسيج الحياة. أما تلك الذئاب المتشبثة بظلها، فلم تكن سوى أشباحٍ خانعةٍ، تتوسل عودة النبض الذي سرقته شفراتها القاطعة.
في تلك الليلة، بينما كانت رائحة الرماد تُعانق النسيم اللاهث، نظرت إلى أبعد نقطة في الأفق. ارتسم هناك ظلُّ سفينةٍ مُحمّلةٍ بالخطايا، فابتسمت ببرود. لم تكن تقصُّ أشرعة الغدر فحسب، بل كانت تعدُّ خريطةً جديدةً لأفول الشمس الأخير.
حينها، وبلا سابق إنذار، انحنى ذئبٌ ضخمٌ عند قدميها. لم يطلب رحمةً، بل مدَّ عنقَه بصمتٍ مريب.
كان مقصُّها قد أعدَّ لنفسِه النهايةَ الأشدَّ قسوةً.