دخل إلى البيت الذي كانت جدرانه تعج بالفقد. سكون وهدوء رهيبان لولا مواء قطة ابنته التي كانت تترقب قدومه بفارغ الجوع. ما أن أدار مفتاح الباب حتى اندلفت مسرعة إلى المطبخ بحثاً عن بقايا طعام تسد بها رمقها. على عجل أعد فنجاني قهوة. وضعهما على الطاولة. جلس يرتشف رشفات متتالية. يمُط شفتيه منتشياً برائحة البن التي صعدت إلى رئتيه. تأوه حتى خُيّل للقطة أنه يدعوها لاحتساء القهوة. صوب عيناه على الفنجان الآخر والكرسي الشاغر بجواره. سمع طرقات خفيفة. وقف وحمل خطاه إلى الباب وكأنه كان ينتظر قدوم زائر ما. مد يده ممسكاً بمقبض الباب. لما جذبه إليه رأى طيفاً يغادر مودعاً. أغلق الباب. أسند متن ظهره عليه. نظر إلى الأعلى مغمضاً عينيه واضعاً يده على قلبه، متحسساً نبضه. عاد وجلس. حين هم بتناول ما تبقى من قهوة بفنجانه فوجئ بأن الفنجان الآخر كان فارغاً.