كانت يداه، التي أحيت الصمت في تماثيل تتنفس، تجلس الآن خاوية؛ فقد تحطمت تحفته الأخيرة، وانكسرت معها روحه. ومنذ ذلك الحين، صار يجلس على الرصيف، تمثالًا صنعه اليأس، وجهه مختبئ بين راحتيه. تلتف حول جسده قيود طينية، غرست نفسها في لحمه، ورائحتها تراب مبلل بالخذلان.
مرت المدينة خلفه كسراب لا تبالي بوجوده، لكن في أحد أيام الخريف مرت امرأة عجوز لم ترفع عينيها إليه، بل وضعت بجانبه قطعة حلوى بسيطة. لم يمسسها، لكنه شعر بوجودها، بنظراتها الصامتة التي لم تكن شفقة. استمرت العجوز في المجيء كل يوم، تضع الحلوى في نفس المكان.
وفي ليلة ممطرة، وبينما كانت حبات المطر تتساقط على قيوده الطينية، شعر بقطعة صغيرة منها تذوب بين أصابعه. انهارت الأغلال التي ظنها منيعة مع أول لمسة من المطر.
مد يده، لا ليأكل الحلوى، بل ليلمس السلسلة الطينية التي تلتف حول كتفه. تفتت الطين، وتناثر على الرصيف كغبار منسي. شعر بالحرية تملأ روحه. ظلت آثار السلسلة على جلده، لكنها لم تعد تقيده. رفع رأسه أخيرًا، وشق طريقه في المدينة، تاركًا خلفه رائحة الطين المبلل ورائحة الحرية.