كانت عائشة لا تملك من الأمس سوى غبار يكسو شعرها، ورائحة دخان يختنق بها صدرها. جلست على ركام ما كان بيتها، وصحنها الفارغ بين يديها، ثقيلا بثقل اللاشيء. كانت عيناها، اللتان أكل الجوع سوادهما، تراقب جموع الناس الهائمة. وجوه نحتتها قسوة الأيام، وأجساد هزيلة يئن منها الصمت. في الأفق، كانت بقايا الأعلام الفلسطينية ترفرف ببطء، كأنها تحية أخيرة لحياة سابقة.
لم تفكر في الغذاء. تذكرت صوت جدتها وهي تحكي عن القدس: عن حواريها الضيقة، ورائحة خبزها الطازج، وعن ذلك المسجد ذي القبة الذهبية التي تلمع كالشمس. حكايات استحالت مجرد خيال بعيد، حلم لا يطوله الجائع ولا المشرد.
فجأة، ومن بين تلك الجموع، ارتفعت قبضة يد محفورة بآثار العمل والتعب، تتدفق فيها شرايين الحياة كأنها أنهار. تحمل علما أبيض، عليه كلمات عربية سوداء، ترفرف في سماء ملبدة بالهموم.
نظرت عائشة إليها، تراءى لها قبة الصخرة شامخة. سكون لا يسمع فيه سوى صوت الأقدام المتجهة نحوها. كانت تلك اليد خيطا يربط بين حطامها وبين ذلك الأمل.
لم تعد مجرد فتاة جائعة تحمل طبقا فارغا، بل أصبحت جزءا من مسيرة وحلم تشكلا من غبار الأمس.