تحت سماءٍ تزدريها الغيوم، وجدائل بحرٍ تثور، انكمشت "ليلى" على جذع زمنٍ عتيق. احتضنت فنجانها، وعيناها وهجانٌ تائهٌ في الأفق، تستحضرُ حكايا ألفِ غياب. كانت الأمواج تنهشُ الشاطئ بضراوةٍ غريبة، كأنها تثأرُ لصمتٍ تكلّسَ عليه الدهر. النوارس، أشباحٌ بيضاءُ تهذي بزرقةِ الشفق، حلّقت فوق رأسها، نائحةً لِماضٍ لا يعود. كتابٌ مفتوحٌ بجانبها، صفحاته بياضٌ ناصعٌ مثل ثلجِ النسيان، لم يُدنسه حبرٌ قط. لم تكن تقرأ؛ بل كانت تُحصي النوارس، تعدّ الأيامَ، تنتظرُ عدماً. وفجأة، هدأت موجةٌ عاتيةٌ أُخرى، ألقت برقعةٍ عند قدميها. انحنت ليلى، تتبعثرُ خصلات شعرها كسراب، لتجدَ رسالةً عتّقها ملحُ البحرِ والزمن. خطّت عليها يدٌ ترتجف: "عدتُ إليكِ، لكنّ الموجَ ابتلعني". في تلك اللحظة، رُفِعَ الغطاءُ عن قبرها، وصرخت النوارسُ في وجهها، لا رثاءً، بل استنكاراً لوجودِها الأبديّ بين الأحياء.