كانت أصابع ليلى تُقلّب صفحاتٍ بيضاءَ فارغة، فتترك خلفها آثارَ يأسٍ لا تُمحى. لم يعد في الكتب شيءٌ يُقرأ، فقد أخذت منها كلّ ما تملك من أمل. لم يعد في وجهها سوى تجاعيدَ تحت العين، كأنها خرائطُ لدروبٍ لا تنتهي من الحزن.
في يوم، وقعت يدها على كتابٍ بلا غلاف، ففتحته على صفحةٍ فارغةٍ لا تشبه الصفحات السابقة. لم تكن هناك كلمات، بل صدى همسٍ خافتٍ يتراقص في الهواء. وفجأة، بدأت الحروف تتشكّل من نفسها، كأنها نجومٌ تولد من العدم، لترسم خريطةً لدروبٍ لم تسلكها ليلى من قبل.
انحنى ظهر ليلى، ولكن ليس من التعب، بل من وقع المفاجأة. لم يعد في عينيها بقعٌ من اليأس، بل بريقٌ خافتٌ لا يُمحى. لم تزرع بذرة جديدة، بل تركت كلّ الكتب خلفها، وسارت نحو نافذة غرفتها، وفتحتها على مصراعيها، فخرج النور إلى الشارع المظلم.
هبط المارة، الذين كانوا يمشون بخطواتٍ مثقلةٍ، ووقفوا يتأملون مصدر النور. ثمّ بدأوا يتحدّثون مع بعضهم البعض، وينسجون خيوطَ حكاياتٍ جديدةٍ، ويعودون إلى بيوتهم وهم يحملون مصابيح صغيرةً تنبعث من داخلها قصصهم التي كانت منسية.
في كل يوم جديد، كان المزيد من المارة يحملون مصابيحهم الصغيرة. وفي أحد الأيام، رأى الجميع نافذة ليلى مضاءة، لا بلونٍ باهت، بل بلونٍ ذهبيّ يتراقص في الفضاء. ولم تكن ليلى في غرفتها، بل كانت تقف في الشارع، وتتبادل الابتسامات مع كلّ من يمرّ من أمامها.
في نهاية الشارع، رأى الجميع ليلى أخرى، تقف أمام منزلها، تبتسم للجميع، وهي تحمل في يدها كتابًا جديدًا... "نافورة الروح".