عند فوهة الأتون المتوهجة، حيث تتراقص ألسنة النار كأرواح جامحة، كان كنان سندان القضاء وقدحه. على جبينه، خطّ وشوم الدهر خطوطًا سوداء نقشتها لفحات النيران. مطرقته تدوي ترنيمةَ قدرٍ تتشكل على نصل الحديد المذاب.
اليوم، ما يطرقه ليس كسابقه؛ هذا النصل يحمل صدى ضحكة كانت تملأ الأرجاء، وبريق عينين أدمتا الذاكرة. كنان يصوغ نهايته بيده، مُقوِّمًا مسارًا اعوجّ عن سنن القبيلة وعُرفها.
كل طرقة مطرقة هي دمعة متجمدة على فوهة البركان الخامد في صدره. كل شرارة تتطاير هي ذكرى حارقة لوعد مُخلف، وعهد منكوث.
صار النصل الآن براقًا قاتلًا، حادًا كلسان الأفعى. رفعه كنان يتأمله في ضوء الفرن الخافت. كم يشبه صاحبه في صلابته الظاهرية وهشاشته الداخلية التي أوصلته إلى هذا المصير المحتوم!
أمسكه بيد ثابتة، متجهًا نحو الخارج حيث ينتظره رجال القبيلة والغريم المقيد. وبينما كان يهم بالخطو، لمحه في المرآة المعلقة: لم يكن وجهه وحده المنعكس، بل خلفه شبحٌ خفيٌّ يمد يدًا شبيهة، يحمل نصلًا مطابقًا تمامًا لما في يده، لكنه ملطخ بدم قرمزي.
تجمد كنان مدركًا فجأة أن النصل الذي صنعه لم يكن قدر الغريم وحده، بل قدره هو الآخر. ففي شريعة القبيلة، القصاص لا يعرف استثناء. اليوم، قد أتم عمله سيدًا للسيف؛ وغدًا، سيستقبله في الطرف الآخر من النصل، ضحيته الأولى.