لثمت الشمس الرمال، فتشققت وعاءات العطش. من بقايا غبار، زحفت أشباح. صدى جوع، يدفقه هواء ملوث بأنين أضلع عارية. أيد هشة تشد أوعية تكاد الريح تذهب بها. العين، نجمة ذابلة، تطارد خيط سراب.
وحدها، تلوح عجوز؛ هيكل مسنود بريح ماضية. أناملها، غصون شجرة ماتت واقفة، تشد وعاء صدئًا، صوت رعشته يملأ الفراغ بأغنية البلاء.
فجأة، تنمر الأفق. تكون في بياض زجاجي. عبره، بدت مائدة. لم تكن مائدة، بل بحر أرز، تتراقص فوقه بخار الوفرة، يحيطه صخب وجوه مترفة، تتعالى ضحكاتها كفقاقيع صابون منفلتة.
جثت العجوز. نظرت إلى الأرز، ثم إلى الوجوه. دفنت يدها في التراب الرطب، الذي تسرب منه ريح مطر قديم.
بصوت يصبح صدى في لحظته: "أتذكرون... رائحة الأرض، حين تروى؟"
ضحكاتهم ظلت تتعالى.
مدت العجوز يدها إلى التراب. جمعته. ملأت به وعاءها الصدئ، كأنه أثمن كنز. لم تمد يدًا لفتات أرز.
نهضت. وجهها يشع بغموض. مدت وعاء التراب إلى الظلال الخاوية. "خذوا. إنها بقايا... ما فقدتموه."
غابت في غبار الفراغ، وخلفها صف من الأوعية الملأى بالتراب، لم يجرؤ أحد على رميها.
وعلى المائدة الكبرى، لما استيقظت وجوه الشبع في الصباح التالي، وجدوا أن كل حبة أرز قد انشقت، وصارت حبة تراب. تشقق اللقم في أفواههم، وتسرب منه رمل لا يشبع.