تدفق الوادي صافيًا وراقصًا في ضوء الشمس الذهبي. على ضفافه الخضراء، ارتعت شاة بيضاء الصوف، يتبعها حمل صغير كأنه قطعة سحاب نزلت إلى الأرض. توالت الأيام، وكان الحمل يلهو ببراءة، غافلاً عن الخوف أو الحذر.
فجأة، انبثق من غابة السنديان الكثيفة ذئب ضخم، رمادي الفراء، عيناه تشتعلان بجوع ضارٍ قديم. لم يوقظ مرأى الحمل فيه سوى غريزة وحشية عمياء لجوعه. اقترب ببطء، خطواته تتسلل عبر صمت الغابة الثقيل. الأم، وقد شعرت بالخطر يحدق بها، انتصبت قامتُها الواهنة، وتتسارع أنفاسها كهدير عاصفة بعيدة.
تهيأ للانقضاض، ولاح له الحمل كلحم طري يذوب في فمه المتعطش. لكن ما كاد يهم بالوثوب، حتى انبعثت من بين الأحراش همسة خافتة اخترقت سكون المكان. لم تكن صيحة راعٍ ينقذ، ولا عواء كلب يخيف. كانت متقطعة، لكنها حملت رعبًا فاق رعب الذئب نفسه.
تجمد الذئب في مكانه، ارتعدت فرائصه، واتسعت عيناه من هول ما أحس به. لم تكن تلك الصيحة سوى همسة خفيفة للريح، لكنها حملت رائحة لم يألفها، أوحت له بنهايته المحتومة.
تراجعت الشاة خطوة إثر أخرى، وحملها يلتصق بها، ينظران إلى الذئب المسمّر في مكانه، وقد تحول في لحظة من صياد مفترس إلى فريسة مرتجفة. وفجأة، سقط الذئب، جسده يرتعش في تشنجات عنيفة، ثم سكن بلا حراك. لم يكن هناك أثر لجرح، ولا قطرة دم واحدة. فقط صمت ثقيل مرعب خيّم على المشهد.
نظرت الأم إلى حملها، ثم إلى الذئب، بعينين تحملان دهشة تفوق استيعاب براءتها.
كانت تلك الهمسة الخافتة مجرد صدى لصرخة ذئب آخر، مفترس أيضًا، لم يكن يعلم أن صيده مصاب بداء الكلب.