تثاقلت جفونه. أسند رأسه المثقل على المكتب، وكأنه يحاول دفن صخب أفكاره تحت أكوام الأوراق المتناثرة. غاص مصطفى في نوم عميق، ليس هربًا، إنما غرقًا.
في زاوية مرسمه المظلمة، بدأت الظلال تتراقص. أشكال غريبة تتجسد من العتمة: وحوش بأجنحة، وبوم بعيون متوهجة، وخفافيش تملأ المكان. لقد تدفقت من رأسه، وخرجت من بين خطوط قلم الرصاص التي تركها على الورقة.
الوحوش تبتسم وتضحك وتهمس إليه: "لا تحاول الهرب يا مصطفى، فنحن هنا لتبقى معنا". قال أحد الخفافيش بصوت خافت.
"أنت من أوجدنا، ونحن لن نتركك أبدًا". قالت البومة بعينيها المتوهجتين.
تجمد جسده، واختفى صوته في حلقه. كان محاصرًا في مرسمه. أشار أحد الوحوش بجناحه إلى المرآة على الحائط. لم يستطع مصطفى أن يصدق ما رأته عيناه. ما رآه لم يكن صورته، بل كان وجه الوحوش. لقد أصبح واحدًا منهم.
فجأة، انتبه إلى صوت: "أبي، استيقظ. لقد حان وقت العشاء".
كان ابنه علي يقف أمامه، ينظر إليه بعينين واسعتين. عانقه بحنان، وبقيت رائحة الحبر والخوف عالقة في أنفه.
في غرفة الطعام، وبينما كان يغسل وجهه، نظر إلى المرآة. كانت صورته هذه المرة مختلفة. لم يكن يبتسم، وفي عينيه ظهرت نظرة لا تخاف.
تأمل نفسه هنيهة. خلفه، في عمق الصورة، بدت ظلال الوحوش وكأنها تبتسم له، لكنه ابتسم لنفسه.