في عتمة محطة مهجورة، حيث تتسكع أشباح الأمنيات الموؤودة، ظهرت طفلة بقامة أمل خذل. عيناها، شرارة براءة لا تخمد، تلاحقان سرابًا بعيدًا. رفعت رأسها نحو كتلة صامتة من الزمن، رجل أكلته السنون، وسألت بصوت يذيب الصخر: "يا صاح، أين ترسو سفينة العالم الأخير؟"
شلّ المكان. تسمّرت النظرات. دلف الرجل الضخم، سواده أعمق من ليل بلا نجوم، حدّق فيها بذهول كاد يهشم صمته. لم يعثر بين أنقاض روحه على كلمة تستحق براءة السؤال. دون كلمة، انتشلت كفه الغليظة يدها الصغيرة، لا ليومئ لفجر، بل ليدفعها بوحشية بطيئة نحو قارب متعفن، يختلج على سطح بحيرة لا قاع لها.
ابتلعتها الظلمة، لم يتبق منها سوى نبرة أخيرة لسؤالها تلاشت في هواء المحطة المثخن باليأس. وبقيت المحطة وحدها، ترثي مصيرًا لا يحتمل. فوق بوابتها العارية، ومض ضوء أخير. لم يكن مكتوبًا تحته شيء، سوى انعكاس وجه الطفلة، وقد تجمدت على شفتيها ابتسامة خافتة، بينما يتوهج تحتها: "المصير المحتوم: لا مفر".