على أعتابِ ليلٍ مدلهمّ، حيثُ دانَ العدوُّ وانبعثتْ من ثنايا الظلامِ وشوشةُ الغدرِ، لمْ تنحنِ الأرواحُ. هنا، في مملكةِ العزّ، كان الفداءُ قدرًا لا خيارًا.
تغلغلَ صياحُ البغي في شرايينِ النبضِ، لكنه لمْ يجدْ إلاّ صمودًا أبديًا. "لِمَ لا نكُفّ؟" هتفَ أحدهم، فجاءَ الردُّ من عمقِ الروحِ: "شُموخنا نابعٌ من طُهرٍ، لا يلينُ لمقامِ السُّؤددِ."
تراجعتْ خطوةٌ مترنّحةٌ، كأنّها لمْ تجدْ لها موطئَ قدمٍ. فالراياتُ، راياتُ الحقِّ، كانتْ ترفرفُ عاليًا، لا تعرفُ الانكسارَ. وفي ذروةِ الصراعِ، بزغَ سيفُ العدلِ، لا يُشحَذُ إلاّ ليَبيدَ الغيَّ.
اقتلعَ جذورَ الباطلِ بعنفٍ، تاركًا خلفه صمتًا مطبقًا. ظنوا أن المعركة انتهت، وأن النصر حليفهم الأبدي. لكن، حينما أشرقتِ الشمسُ على بقايا الغبارِ، لمْ يجدوا رايةً ترفرفُ، ولا سيفًا لامعًا. لمْ يجدوا سوى رمادٍ يتطايرُ، ووشوشةِ الريحِ تحملُ همسًا باهتًا: "لقد كانَ الحقُّ.. ظلًا عابرًا في حلمٍ ماضٍ."