تراقصت أطياف الجياع هزيلة، كأشباح شفافة تتهادى. من عمق غزة، انبثقت صرخة اختنقت قبل أن تصل. لم تكن أنينًا فحسب، بل رقصة احتضار لجثث تفحمت، يتراقص ما تبقى منها كشظايا متوهجة بين أنياب اللهب المستعر. تبعثرت أشلاء آدمية، كانت قبل لحظات نبض حياة، لتغدو بقعًا قانية على أقمشة خيام واهنة، نقوشًا دامية على صمت عجز البشر عن استيعاب همجيته.
ارتعش إبليس في مخبئه الدامس، اجتاحت قشعريرة باردة عروقه المتشابكة. لم تكن تلك المرة الأولى التي يصافح فيها شناعة الشر؛ فهو مهندسه الأكبر ومُشيد صروحه العظمى. لكن ما استقر في فؤاده من وحشية صماء، تلك التي طالت الجياع العُزل هناك، جعل جرائمه كلها تبدو كهمسة خجلى في يمٍّ من الصراخ. هوى على ركبتيه، وكسَت وجهه القبيح مسحة خجل لم يعهدها قط، فقد وجد نفسه تلميذًا خاشعًا أمام معلميه الجدد؛ أولئك الذين استلهموا شرًّا من صميم الكيان الغاشم، شرًّا تجاوز كل خيال.