تجمع الشحوب على كتفي يوسف الصغيرين كثقل ازمان سلفت، فانحنى نحو ركبتيه المترهلتين قبل اوانهما. كفاه المتقفزتان حجبتا شفق وجهه المنكمش، لكنهما عجزتا عن حجب رنة الانهيار الابجل في غور ذاكرته. خلفه، امتدت المدينة تفتقا من اسمنت مزبد وحديد مجعد، وشاهده الوحيد صرح خر راكعا، كجبار جثا على نفسه مهزوما بغمة ازلية.
في ذاك المشهد القارح، لم يلمح يوسف إلا حذاء فاطمة القرمزي؛ بوصلة من لمعان المرجان في سريرة الركام.
فجأة، رفع قمح رأسه، ناظرا نحو التخوم المتلونة. ارتفعت شمس حمراء، كنزف طالع. ازاح كفيه عن مخادع عينيه.
كان وجهه صحوا، إلا من بقعة طين متجلدة فوق خده.
نهض يوسف. نظر بتشف متحجر الى اثار قدميه على التراب المنصهر، ثم المدينة المتخرمة، والافق الذي ما تحول شيئا.
مد يده الصغيرة الى جيبه، كأنه يستل سرا بريئا. اخرج عقد حلوى مغلف بورق يتلظى. قضمه بتؤدة لاذعة، كأنه يتلذذ بنقيع الدنيا الاخير، ثم سار نحو المهوى.
لم يكن يرتاد مثوى المدينة، انما عزم نحو السماء. ابتلع يوسف اخر رشفة من الحلاوة، فأشهدها رسالة لا تقال لأمه؛ عقد صغير على ان المرارة لم تكن ابدية قبل الصمت الابدي.





































