جذوة
في أتون المحنة، حيث الصمود صخرة لا تُكسر، انتصب طفل كبركان هائج في وجه الدبابة الوحشية، ذراعاه لهيب قلب وطن أبي يرفض الانحناء. لم يعرف الرعب إلى قلبه سبيلاً. ورث عن زيتونة الأرض جذورها الضاربة في عمق التاريخ، تنبت شامخة رغم المجازر المتلاحقة، إصراراً أزلياً أبدياً. عيناه نافذتان تحكيان قصص أمة صلبة، أملاً متوهجاً كجمرة في رماد اليأس، وعودة محفورة بدم الشهداء في الذاكرة الأبدية. تذكر أباه القابع في سجون الظلام، ندوبه وقوداً لنيران عزيمته المستعرة. رأى دخان أرضه المقدسة يتصاعد غضباً، فانطلق بحجره الصغير كقذيفة مدوية، سقط مضرّجاً بالدماء، لكن قطرة دم واحدة منه تحولت إلى بذرة فداء تزهر صموداً أسطورياً، وتوقفت أمام جبروت الآلة الهمجية إرادة البقاء المتجذرة. تحت سماء مُلبّدة بالغيوم الداكنة، انطلقت ترتيلة طفلة من بين الأنقاض الصامتة، لحن خافت لكنه أقوى من هدير القصف، وعد بفجر قادم ينتزع النور من براثن الظلام. الأرض ليست مجرد تراب، بل هي قلب نابض بالعزة والإباء، وروح عصية على الانكسار. حتى الرماد المتناثر يحمل في طياته ضحكات الأحفاد الثائرة، وقسم العودة المقدس. في تلك اللحظة الفارقة، تجسد الصمود كله في هذا الطفل الصغير، جذراً ضارباً في أعماق الأرض، وراية حمراء ترفرف شامخة في وجه العاصفة، متحدية اليأس والضياع. روحه الطاهرة كانت أعتى من كل سلاح فتاك، وبقلبه الصغير، حطم أسطورة الغازي المتغطرس، وأعلن انتصار الوطن على الغزاة الدخلاء.