ارتفع دخانٌ أسودُ من الأفق، واختفتْ خلفه ملامحُ الشمس. على الأرضِ المتشققة، نبتَتْ ظلالٌ طويلةٌ كأشجارٍ ميتة. ارتجفَ الجدارُ، فعانقَهُ الظلُّ وتقلّصَ، وكأنه يلوذُ منه. بينَ الأصابعِ، تكسّرتْ غصونٌ يابسةٌ بلا لهيب.
تجمّدتْ الضحكةُ على الشفاه، فظهرتْ شقوقٌ عميقةٌ على الوجوه، وعلتْها قشرةٌ بيضاءُ كالملح. لم يبقَ في العيونِ إلا انعكاسُ الغياب، وفي الحناجرِ، غصّتْ أصواتٌ خافتةٌ بجفافِ الهواء.
في ساقٍ نخَرَها السوس، انحنى الحلمُ وانكسر. فتحتِ السماءُ فمَها، فأسقطتْ رماداً بارداً، وصوتُ قطرةِ الماءِ غابَ في الذاكرةِ البعيدة.
في الوادي، حيثُ كانَ خريرُ الماءِ يهمس، مرّتْ ريحٌ صفراءُ، فدفنَتْ الأغنيةَ. لم يبقَ إلا أثرُ خطوةٍ واحدةٍ على الرمل، وريشةٌ سوداءُ تسقطُ من جناحٍ وحيد.
رمى البحرُ على الشاطئِ رغوةً بيضاءَ، فكانتْ كفنَ الوداعِ. وحينَ طلعتْ شمسُ اليومِ التالي، لم يظهرْ على الجدرانِ إلا امتدادُ الظلالِ الأقدم.