تتوهجُ الألوانُ على القماشةِ في ضوءٍ خافتٍ، يُشبهُ شفقَ الذاكرةِ. يجلسُ "إلياس" قبالةَ اللوحةِ، لكنهُ لا يرى امرأةً على كرسيٍّ، بل يرى صمتًا يتجسّدُ في جسدٍ. يدا "ليلى" مضمومتانِ في حُلمٍ لم يكتملْ، ونظرتُها تائهةٌ في مساحةٍ بيضاءَ على يمينِها، حيثُ تقفُ مزهريةٌ فارغةٌ، كأنها شهادةٌ على غيابٍ.
همستْ ذكراها في أذنيهِ، لا كحكايةٍ قديمةٍ، بل كصدىً يترددُ على جدرانِ روحهِ: "الفراغُ يا إلياس، ليسَ ثقبًا أسودَ يبتلعُ النورَ، بل مساحةٌ بيضاءُ تنتظرُ لمسةَ حُبٍّ". كانتْ تنهداتُها تُملأُ فراغاتِ أيامهِ، وتُلوّنُ جدرانَ روحهِ. كانتْ هيَ كلَّ ضربةِ فرشاةٍ لم يجرؤْ على رسمِها، وكلَّ لونٍ خافَ منَ الخروجِ إلى النورِ.
في اللوحةِ، يرى الآنَ أنَّه لم يرسمْها هيَ، بل رسمَ تلكَ المساحةَ التي لطالما تحدّثتْ عنها. كانتْ اللوحةُ فارغةً قبلَ قدومِها، وكانَ هوَ فارغًا. وعندما رحلتْ، لم تُغادرِ اللوحةَ أبدًا، بل انطوتْ كلُّ الألوانِ حولَ غيابِها، لتُصبحَ هيَ نفسُها مركزَ الفراغِ، القلبَ النابضَ للصمتِ.
يُطيلُ إلياس النظرَ في المزهريةِ الخاليةِ. لم يعدْ يرى فيها غيابًا يؤلمهُ، بل يرى وعاءً ممتلئًا بالذكرى، بحُلمٍ لم يذبُلْ، وبالحبِّ الذي زرعتْهُ في تلكَ المساحةِ البيضاءِ. يرفعُ رأسهُ، وابتسامةٌ خافتةٌ تُزيّنُ شفتيه. اللوحةُ لم تكتملْ بموتِها، بل اكتملتْ بحزنهِ الذي تحوّلَ إلى حُبٍّ أبديٍّ.