تَجَعّدتْ وجنتاها كصحراءَ ضمأى، وغارتْ عيناها الذابلتان في لُجّ البنّ المترسّب بقاع الفنجان. كلّ بصمةٍ، وشايةُ قَدَرٍ؛ وكلّ التواءٍ، رَمقٌ من عمرٍ متهالك. تمتمتْ بوجعٍ يعصرُ آخرَ أنفاسها: "أواه… ما من جديد!"
أشارتْ بأنملةٍ يرتعشُ فيها تاريخُ خذلانٍ إلى رَسبٍ داكنٍ، كظِلّ كابوسٍ أزليّ. "هذا الماضي،" همستْ بصوتٍ عصفَتْ به رياحُ اليأس، "يُطاردُني كشبحِ فَقْرٍ، ذُلٍّ، ووحدةٍ مُوحشة." انتقلتْ أصابعُها إلى بقعةٍ أقلّ قتامةً، خلتْ من أيّ بصيصِ ضوء. "وهذا الحاضر،" أردفتْ، "قفارٌ مُجدبٌ، لا حياةَ فيه. عطشٌ روحيٌّ يفتكُ بي."
تجمّدتْ اللحظةُ في كفّ الزمن. لمعَ في عينيها بريقٌ خاطفٌ كشهابٍ وَلّى، وهما تتتبّعانِ رَسبًا رفيعًا كخيطِ سراب. "لكن… ما هذا؟" تمتمتْ بدهشةٍ مزّقتْ صمتَ اليأس. أبصرتْ في ذاك الخيطِ انعكاسَ وجهها في مرآةٍ، مُشوّهًا، بعينينِ تجمّدهما لوحةُ اللاّتعبير. "مستقبلي؟" تساءلتْ، وارتجفتْ يدُها وهي تقبضُ على الفنجانِ كأنها تُمسكُ حتفَها.
فجأةً، انزلقَ الفنجانُ من بينِ كفّيها الواهنتين، وتناثرتْ شظاياهُ على الأرضِ بضوضاءَ كصيحةِ الموتِ الأخيرة. تبعثرتْ بقايا البنّ الداكنة، وتكسّرتْ قطعُ الفنجان. لم تعدْ عيناها ترى شيئًا؛ سوى شظايا تعكسُ وجهَها المرتعبَ، وقد تحوّلَ إلى لوحةِ عَدمٍ مطلق.
لم تدركْ، إلاّ بتهشُّمِ الفنجانِ، أنها كانتْ الروحَ التي تسكنُه.