في قلبِ مدينةٍ ضجّت أسواقُها بأصواتٍ كهديرِ الموجِ، استوطنَ خياطٌ عجوزٌ، كانت إبرتُهُ ترقصُ رقصةَ فراشةٍ سكرى بينَ الزهورِ. كانَ صمتُهُ أعمقَ من بئرٍ قديمةٍ، وكلُّ غرزةٍ يضعُها كانت همسةَ حبٍّ لمهنتِهِ العريقةِ.
في يومٍ من الأيامِ، طرقتِ الحاجةُ بابَهُ في صورةِ فتاةٍ صغيرةٍ، كانت عيناها بحيرتينِ من الدمعِ المُراقِ، تستجديهِ فستانًا جديدًا يزهو بهِ عيدُ قريتِها، لكنَّ كفيَّها كانتا جرداءَ كعشٍّ هجرهُ الربيعُ وتركَهُ للريحِ.
تأملَها الخياطُ بعينينِ خبيرتينِ، فرأى في غورِ دمعِها قصةَ حزنٍ نسجتْها خيوطُ الأيامِ الكئيبةِ. لم ينبسْ ببنتِ شفةٍ، لكنَّ قلبَهُ العجوزَ تحدثَ بلغةِ البذلِ الصامتِ. شرعَ في العملِ، وكانت أناملُهُ تحكي حكاياتٍ عتيقةً من خيوطِ الحريرِ وألوانِ قوسِ قزحٍ.
انبثقَ الفستانُ في النهايةِ كلوحةٍ فنيةٍ سكبَ عليها ضوءُ القمرِ خيوطَهُ الفضيةَ. وعندما ارتدتْهُ الفتاةُ، تحولتْ قطراتُ دمعِها إلى لآلئٍ متلألئةٍ تتدحرجُ على وجنتيها، وابتسامتُها أضاءتِ الغرفةَ كشمسٍ ذهبيةٍ تبزغُ بعدَ عاصفةٍ هوجاءَ.
رحلتِ الفتاةُ، تاركةً خلفَها عبقَ فرحةٍ انتشرَ في قلبِ الخياطِ كشجرةٍ باسقةٍ ضربتْ جذورَها في أعماقِ التربةِ. حينها أيقنَ أنَّ السعادةَ الحقيقيةَ ليستْ مجردَ بذرةٍ تُزرعُ في قلوبِ الآخرينَ، بل هي شجرةٌ تُورقُ بهجةً وتُزهرُ رضىً لا يعرفُ الذبولَ.






































