تبعَ أثرَها. كان ظلُه يتراقصُ خلفَ طيفها الهارب، يلتهمُ المسافةَ بينهما في شرهٍ محموم. أغمضَ عينيه على خيطٍ من قماشِها الأبيضِ يختفي خلفَ جدارِ اليأس. كانت أنفاسُها لحنًا متقطعًا، يُعزفُ على أوتارِ قلبِه المنهك، ووقعُ حذائها وشوشةٌ خفيفةٌ، كأنها نداءُ غيومٍ تمطرُ صمتًا.
بلغَ العتبةَ. وجدَ العدمَ يتربصُ به. المكانُ جثةٌ باردةٌ، لا أثرَ فيها لدفءٍ. عبثَ بيديْه في الفراغِ، يبحثُ عن خيطِ نورٍ، عن وهمٍ يمسكُ به، لكنْ لا شيءَ.
ألقتْه الرتابةُ على كرسيٍّ خشبيٍّ، فكانَ رأسهُ قبضةً من العجزِ، يغرقُ في متاهةِ الكفّين. رفعَ عينيه إلى المرآةِ، فرأى وجهًا غريبًا، مُكسّرًا كزجاجِ الماضي. بحثَ عن صورتِها، عن ظلِها، عن أيِّ أثرٍ لها، فلم يجدْ سوى نفسه، وحيدًا.
ارتجفَ كيانهُ فجأةً، كأنّ وميضًا من حقيقةٍ خاطفةٍ قد اخترقَ العتمةَ. عيناهُ تحدّقان في الخواء، ويداهُ ترتخيانِ ببطءٍ. لا شيءَ في المرآةِ يُشبهُهُ. بقيتْ قدماهُ ثابتتينِ على الأرضِ أخيرًا.