سألته بصوت خافت: "هل تتذكر كيف كان العالم يبهت في عينيّ؟" أجابها، بصوت يملؤه التعب: "كنتُ أراقبكِ، وكأنكِ تغرقين في ظلمة عميقة".
أمسكت بيده، وشعرت بجلده الجاف الذي أصبح كغصن شجرة يابسة. وضعت رأسها على كتفه، وتسلل دفء رأسها إلى صدره، وهو ما أعاد له ذكرى أول لقاء بينهما، وكيف كان قلبه ينبض لها.
كان يترنح، فقد انحنت قامته التي كانت بطول شجرة نخيل، وأصبح ظله أقصر من ظلها. لكن يده التي أحاطت بخصرها كانت لا تزال قوية، تقاوم علامات الشيخوخة ووهن الجسد.
مشيا، وكانت تحمل ورقة صفراء، عليها رسم لطفل وُلد لهما ومات في نفس اليوم، وكانت ترفرف في يدها، وكأنها فراشة تحاول الهرب من قبضتها. مشيا، وفي رأس كل منهما، كانت تتردد كلمات الطبيب الذي أخبرهما بوفاة ابنهما.
وعندما وصلا إلى ضفة النهر، فتح يده ورمى ورقة أخرى مشابهة لورقتها. سألته: "أين هو قبره؟" فلم يجب. ألقت بنفسها في الماء، وارتفعت يدها فوق السطح، ثم اختفت. أغمض عينيه، ورفع رأسه إلى السماء، ودمعة لامعة سالت على خده المليء بالتجاعيد، فقد تذكر أن النهر كان المكان الذي التقيا فيه لأول مرة.
سقطت يده على الأرض، وظهر منها مسدس ووردة صفراء. نظر إليهما، وابتسم، ثم ألقى بهما في النهر. المسدس كان الأداة التي فكر أن ينهي بها حياته عندما علم بموت ابنه، أما الوردة فكانت الوردة التي قدمتها له في أول لقاء لهما.