في سهل قاحل، حيث تتوهج الشمس كجمرة ملتهبة، أقامت قبيلة "بني عامر" خيامها حول بئر وحيد. كانت الخيام تهتز مع كل فحيح يخرج من جوفه، وكانت الأمهات يضعن أيديهن على آذان أطفالهن.
توالت الأعوام، وتوالت الضحايا، وبقيت فتاة واحدة، اسمها عائشة. كانت عيناها بحرًا هادئًا وشعرها ليلًا منسدلًا.
في تلك الليلة، لم تكن هناك أصوات في القرية، ولا همهمات، ولا حتى صراخ الأطفال. كانت كل الأبواب مغلقة، وكل الشموع مطفأة، وكأن القبيلة بأكملها قد اختفت في العدم.
فجأة، ظهر مصطفى، ابن عمها، ووجهه خال من أي تعبير. لم يتكلم، لم ينظر إليها، فقط مشى بخطوات ثابتة نحو البئر. سحب سيفه، ومضى إلى الجوف المظلم.
سمعت القبيلة فحيح الأفعى، وصوت ارتطام قوي، ثم ساد الصمت.
تجمع الناس حول البئر، تتسابق عيونهم لاستكشاف المصير. كانت عائشة هي أول من اقتربت، تتبعها نظرات متوجسة.
في قاع البئر، كان رأس الأفعى مقطوعًا، يطفو فوق الماء. لم يكن هناك أثر لمصطفى، ولا أثر لدماء، ولا آثار صراع.
وقفت عائشة على حافة البئر، تنظر إلى الماء. لم تكن هناك سوى عينيها، وقد تحولتا إلى عينين بلون الذهب، وبؤبؤهما كحد السيف.
عندما انصرف الأهالي، سمعت عائشة فحيحًا من جوفها، كأنه صوت الأفعى، ثم انحنت على الماء، وشربت.
نظرت إلى القبيلة من بعيد، وارتسمت على محياها ابتسامة غريبة، لا تحمل أي مشاعر، وكأنها أفعى قد تحررت، وعادت إلى وطنها.