صمتٌ حادّ. منتصف الليل.
رجل في الخمسينات، متسمّر في الشرفة المطلة على الطريق المهجور. معطفه الرمادي ثقيل وخانق، على الرغم من حرارة الصيف الواهنة. في يده ورقة واحدة مطوية بعناية.
راقب الأضواء كأنها عيون وحوش نائمة في الأسفل. غادرت زوجته منذ ساعة، تاركة خلفها رائحة قهوة مُرّة، وآخر كلمات الخلاف. همس: "عامٌ واحدٌ فقط... لن يلاحظوا الفرق."
أخرج من جيبه العقد الذي وقّعه ظهراً: بيع المصنع، تشريد ثمانين عاملاً، مقابل رقم فلكي لضمان راحته لعقود. كان المصنع إرث أبيه ومأوى هؤلاء الرجال. توسلت إليه: "لا يمكن لمال أن يشتري ليلة نوم هادئة."
أخذ نفساً كبيراً ابتلعه صدره المُضنى، ثم مزّق الورقة. تطايرت قصاصات العقد الأبيض في مهب الريح السامّة، وسقطت كندف ثلج أبيض على سواد الإسفلت. شعر بخفّة غريبة، كأنما أعاد روحاً مبيعة. ابتسم لأول مرة منذ شهور.
في تلك اللحظة بالضبط، توقفت سيارة شرطة، يكسر أزرقها القارس العتمة. ترجّل ضابطان كئيبان واتجها نحو المنزل. في يد أحدهما قصاصة بيضاء من عقده.
عندما سمع صوت دقات الباب العنيفة، استدار مبتسماً ليفتح لهم الباب، مستعداً ليخبرهم بتراجعه عن الصفقة المربحة.
فتح الباب. مدّ الضابط يده التي كانت تقبض على القصاصة البيضاء. صوته صارم، نهائي:
"السيد سالم؟ تلقينا بلاغاً. ابنك... وقع اتفاقية التبرع بأعضائه قبل أن تسقط آخر قصاصة من العقد في الشارع."






































