الرسالة الثالثة خلف القضبان
الرسالة الثالثة
فرصة واحدة قد تغير حياتنا للأبد، عملت معه دون ملل أو كلل.
أتعلم يا رحيم كان يهديني الكتب، تذكرتك حينها عندما كنت دومًا تشتري لي الكتب وتخبرني أن من يداوم على قراءة الكتب لا تهزمه الحياة أبدًا، كلما قرأت كتاب واندمجت في سطوره أشعر بك حولي تشجعني دومًا بابتسامتك الملهمة وعيونك الداعمة من خلف نظارتك
بالرغم من حصولي على عمل وأسرة أخرى تحبني وتمدني بالثقه تضيق بي الحياة هنا أشعر أن الهواء يخنقني والطرقات تضيق على حتى تكاد أضلعي تتهشم
واليوم بعد ثلاث سنوات لم أعد أتحمل فاليوم قررت أن أسافر يا صاحبي ودعمني في هذا القرار احمد الرجل الطيب الذي عملت معه، في السنوات السابقة أدخرت القليل من المال ووافق عم أحمد أن يقرضني الجزء المتبقي لكي أستطيع السفر، اليوم سأسافر يا رحيم ولكن لم أستطع أن أبتعد كل هذا دون أن أراك قد تكون المرة الأخيرة من يعلم هل سيكون لنا عودة أو لقاء مرة أخرى أم لا..
أتذكرعندما إلتقينا بكيت كما لم أبكي من قبل وأنا بأحضانك كان عتابك لي كالبلسم وغضبك كالعطر يفوح ليملأ الكون جمالًا، تعجبت من صمتي يومها وأنا كنت دومًا أجادلك ولم تعلم يا صديقي أني إشتقت لصوتك وأردت أن يكون آخر شيء أسمعه قبل سفري، أتدري ما يسعدني الآن أن ثقتك بي مازالت حية بعينيك
وعندما سألتني لِمَ أريد السفر فالغربة قد تضيعني للأبد و يقتلني طموحي أكتفيت أن اطمئنك بابتسامة ولم أخبرك كم أنا ضعت وكفى وتعلمت أن الحرية قُتلت بداخلي من سنين، ودعتك وشعرت أني أودع قطعة من روحي، رحلت متمنيًا أن يزول الحزن والحقد من قلبي عند لقانا القادم لعل ابتسامتي لك تكون حقيقية لا يشوبها الجفاء وغطتها الأحقاد على زمن غمرني بقسوته
سافرت يا صديقي نعم الغربة لم تكن سهلة على الأطلاق نمت في الطرقات ليالي وصمت عن الطعام أيام، الوضع بالسعودية ليس سهلًا كما توقعت، فأن تجد عملًا كأنك تبحث عن ماء في أعماق الصحراء وبعد عدة أشهر وجدت عمل بداخل مصنع للملابس كنت أنظف المكان وسمح لي صاحب العمل أن أنام بغرفة المخزن، أصبحت كل طموحاتي يا صديقي أن أجد غطاء يحميني من البرد وقطعة خبز أسد بها جوعي، تعلمت هنا يا رحيم أن هناك ما هو أبشع من موت الروح فموت الأمل والحب داخلك قد يجعلك مومياء تتحرك بعيون فاقدة لبريقها،ضاقت الدنيا بي وتحملت.
أشعر أن الحسنة الوحيدة التي قدمها لي البشر عندما علمني عم أحمد المواظبة على الصلاة ووجودك بحياتي يا رحيم، غير ذلك لتمنيت مفارقة الحياة للأبد، لم أستمر في عمل اكتر من شهرين؛ لأن هنا ليست الحياة سهلة كما يتخيلها الناس بمصر فهنا لا مجال للشكوى أو الشعور بالتعب فمن يتألم ولو قليلًا ليس له مكان ويحتل غيره دوره، سأخبرك يا رحيم بما لم أخبر به أحد قط لقد تعبت نعم أرهقت نفسي ودخلت مع الخوف حرب باردة وكانت هزيمتي ساحقة لقد تمكن الهلع من جسدي أعلم أنك جازفت بالثقه بي، أعتذر يا صديقي فمن ينصت لقصتي غير الذي عايشها بتفاصيلها، وصل بي الحال أن أحسد كل من مات فالموت يزيل الألم ويحي الروح بعد فقدانها، ليتنا نستطيع دفن كل الذكريات السيئة لنعيش في سلام وندرك الإبتسامة بعد حزن وألم السنين.
مرت ثلاث سنوات لقد تغيرت حياتي رويدًا استمريت في عمل عند تاجر سيارات وضعي تحسن أصبح لي غرفة خاصة بي أغلق بابها ليلًا واشتريت ملابس جديدة ولم أعد أفكر كيف أوفر قوت يومي، حتى الأصدقاء ازدادوا ورغم ذلك يا صاحبي لم يستطع أحد أن يأخذ مكانك بقلبي، أكتب لك العديد من الرسالات ولا أعلم هل ستقرأها يومًا أم لا
أوقاتًا كثيرة الدموع تخنقني واليأس يزلزل كياني.
أشعر بالحنين يا رفيقي، أردت الهروب بشدة من وطن لم أرى فيه عدلًا، لكن قلبي يشتاق لأرض ولدت بها رغمًا عني، لم أهرب سوى من نفسي يا رحيم وفشلت في ذلك.
اتصلت اليوم بعم أحمد أخبرته قراري سأعود مهما كان الثمن اكتفيت وسئمت روحي من الغربة، ولكنه أخبرني أن أنتظر أسبوع آخر؛ لانه سيأتي ليقوم بأداء مناسك الحج ودعاني أن أكون معه.
شعرت بفرحة ممزوجة بالإرتباك ولأول مرة شعرت إن روحي تتنفس فالندم على ما فات أصبح غير مُجدي يا صديقي وتساؤلات عدة هل حقًا استطيع محو ذكريات الماضي ووضع بدلًا عنها ذكريات جديدة مبهجة لقد انشق قلبي وبه حفرة عميقة من نار الحقد ورُدمت من سنين بجحيم الظلم والقهر هل ستكون هذه الخطوة التي أنقذ بها نفسي التى ذابت من قسوة القدر؟!
بعد أسبوع أتصل بي وأخبرني أن أذهب إليه
انتفض جسدي وتداخلت شهقات آلمتني وشعرت بارتجاف قلبي لا أدري هل رهبة أم سعادة غامرة، لعله شغف يروي الجسد بعد دهر من الجفاء
لا أخفيك سرًا يا صديقي كنت احارب كرهي وحقدي تمنيت كثيرًا التخلص منه وابتسمت عندما تذكرت طفولتنا معًا أتتذكر يا رحيم عندما كنت أغضب أخبرتني أن أقطع رأس الغضب لسلام نفسي وليس من أجل الآخرين، لم افهم حينها فغضبي فاق عقلي وجعله لا يريد الاستيعاب والآن أدركت ما تريده سأحاول يا رحيم سألقى بكل احقادي خلفي وسأخرج من غيابات اليأس سأكون لأول مرة على يقين بعدل الله سأذهب إلى الله وأصلى أمام الكعبة بقلب خالِ من عتمة أضلت بصيرتي لسنين سأستعد الآن للذهاب لمناجاة الله يا صديقي ادعو لي أن لا اخجل وأخبر ربي بكل ما في قلبي لأعود لك كما كنا اطفالًا لم تلوث براءتنا بعد.
صديقي الحبيب عدني أن لا تتغير مكانتي بقلبك، عندما أعود سأعطيك كل رسالاتي لك فلم يعد لها مكانًا بيننا سأخبرك بنفسي بكل التفاصيل ستكون مرجعي عندما أحتاج للحديث
والآن وداعًا يا رفيق الدرب على أمل أن يكون لنا لقاء عن قريب ..
صديقك الذي طاحت به الأيام فتساقط وحان وقت النهوض..
….
-صديقي لقد اشتقت إليك أتدرك بحثت عنك طيلة سنوات بين الأزقة والشوارع احتضن ذكرياتنا وأنا أقرأ رسائلك، تدمع العين وتنقبض الروح كلما تذكرت المكالمة التي أخبرتني بها أختك بوفاتك بحادث وأنت بملابس الإحرام
لقد استلمت رسائلك مع جثمانك يا رفيق العمر
دخلت بصراع بين البسمة لمكانتك عند الله وبين الحزن الذي خاض أكثر التجارب إيلامًا
يحزن قلبي لفقدان الأمل برؤيتك من جديد ولكن لا أملك أن أقول إلا ما يرضي الله، أعلم أن الحياة كانت قاسية عليك وأخطأت ومن فينا لا يخطيء يا صديقي، ستظل تسكن القلب وذكرياتنا تسير بالوريد يا رفيقي
كل أملي الآن يا صاحبي أن تزورني بالأحلام لتملأ الدنيا ضحكات وننثر زهورًا من الذكريات، لم تحتاج أن تخبرني أنك تحبني فكانت عيونك تخبرني بكل شيء وأعلم كم جاهدت نفسك للرجوع من العتمة يا صديقي، كنت أرى كل ذلك بعينك وقلبك النقي أطلعت على كل ما بداخله، أتوفيق لقد نزل خبر وفاتك كالصاعقة جعل دمعتي تأبى أن تتساقط رافضة التصديق، أنتظر دخولك من الباب بابتسامتك التي كانت كفيلة أن تنير أي مكان، لا أعترض على قضاء الله يا رفيقي، ولكن أعلم أن الله سيسامحني على حزني عليك فقد ماتت الحروف الجميله، ودفنت القصائد الموزونة معك يا صاحبي، دومًا أعتبرتك أخ وليس صديق فقط، فارحم أخاك ولا تبخل بزيارتي في صحوتي وغفوتي، أشتاقك يا رفيق الدرب، أعلم أن أمواج من الكلمات لا تكفي في رثائك، ليتك كنت معنا الآن لترى العدل الآلهي يا صديقي لقد ضاعت نفوذ ونقود من باعوك من سنين وسيكون الحكم عليهم في قضية أكبر والحكم عليهم وافي لكل المظالم التي تعرضت لها، أعلم أنك سعيد الآن لأنك تشعر بعدل الله وقضائه، سأكون معك كل يوم جمعة يا صديقي سأكتب لك وأتحدث معك إلى أن نتقابل يومًا وتكون خليلًا لي في يوم لا يفترق الأخلاء.