الرسالة الثانية خلف القضبان
الرسالة الثانية
رحيم! اليوم هي المرة العشرون بعد المائة التي لم يصاحبك اليأس وأتيت لتزورني على الرغم من رفضي لرؤيتك في كل مرة
أعلم إنك تقدر خجلي وتشفق علىَّ
كم أشتاق لرؤيتك يا رحيم ولكن النظر بعينك تستصعبها نفسي يا صديقي
أخبرتني أمي إنك لم تكف عن السؤال عنهم ولم تتركهم يحتاجون إلى أحد
لا أدري ما عليَّ قوله فكلمة شكر لا توفيك حقك.
يجب أن تعلم أني سأكون بخير سأبدأ من جديد فور خروجي من هنا، أقرأ كثيرًا كما كنت دومًا تنصحني؛ محاولًا استرداد طريقي الضائع، وعندما أستعيد نفسي التي ضاعت حينها سأكون على أتم الإستعداد لمقابلتك ونمحو الماضي سويًا وأكتب بقلبي ميثاقًا بيننا أني لا أخالف نصائحك مرة أخرى.
يا صاحبي لا أحد يتخيل ما أعانيه خلف القضبان لا يوجد فيلم أو مسلسل يظهر حقيقة السجون فهنا البريء يخرج مجرمًا والمظلوم إذا لم يتحول لظالم قد يصيبه القتل وتركه حتى يصيبه العفن فالساعة كأيام عجاف والشهر كالدهر لا أدري هل سأخرج من هنا حيًا أم سأخرج والكفن يحيطني، أخشي أن أموت بين طرقات السجن ويتم تركي حتى اكون غذاء الدود، لم أخاف مثل هذا اليوم يا رحيم كنت أجلس بمفردي كعادتي اكتب واقرأ فالسجن مليء بالعصابات إذا لم تختار أقواها وتنفذ كل ما تطلبه منك ستكون تحت الأقدام، هذه المرة خسرت يا صديقي وأصبحت عبدًا لرغباتهم وكل ما تشتهي أنفسهم لا تلومني أعلم أني وعدتك بالتغيير ولكن الوضع هنا أصعب مما تتخيل فلم يكن لدي اختيار هذه المرة فإما أن أكون تابع لهم أو يتلذذون بقتلي فالسجن عالم له قانونه الخاص والبقاء للأقوى نفوذًا فنحن هنا كالدمى يتم تحركينا كيفما يشاؤون ومن يفكر في إعلان عصيانه يقام عليه الحد بأبشع الطرق.
أكتب لك هذه الرسالة بدموع ساقت الأوراق لقد قتلوا صديقي عبدالله ، كان وجوده هنا خطأ فهو أطيبنا قلبًا، لم يرغب أبدًا في أن يهم به شياطين السجن رفض بكل قوة أن يكون عبدًا لأحد حتى استيقظنا اليوم على خبر وفاته التى بالطبع ستقيد ضد مجهول لا أحد يستطيع أن يتكلم؛ حتى لا يلقى مصرعه كان هذا الحادث لكي يتم ضرب المربوط حتى يخاف من تسول نفسه لإعلان الرفض.
سقطت في قاع مظلم لا يوجد به بصيص نور
أتدرك يا صديقي لم أستطع التخلص من حقدي على من أدخلوني في طريق الشيطان ولم ينالوا جزائهم وهم الآن ينعمون بالحرية ويلهون كما يشاؤون أوقاتًا كثيرة لا أستطيع النوم وافكر لماذا نفتقد العدالة في زمن يتم التضحية بالفقير في سوق الرقيق يتم بيعه بأبخس الأثمان وانا هنا من بعت عقلي وروحي دون أدنى مقابل، لست بريئًا ولا أدافع عن نفسي بل أني استحققت كل هذا العذاب، ولكن لست وحدي من يستحق ضرب من حديد والعقاب فالكثير بالخارج أحرار والقليل من يزج بهم داخل السجون
مرت تسعة أشهر لا اعرف وصف لك كم من مرارة شعرت بها، وسأخرج اليوم لست أنا الشخص الذي عرفته لقد تغيرت أصبحت كهلًا وأنا مازلت في أوائل العشرين حملت حقيبتي ومعها همومي التى جعلتني أشيب قبل الآوان خرجت متخيل أني سأكون سعيدًا ولم أشعر بالسعادة فقد أصبحت حرًا اليوم ولكن سجن فؤادي عشش لدرجة لا يمكن إزالة قضبانه
لم استطع لقاء أمي ولا الشبع من حضنها كنت أعلم جيدًا أن بقلبها شفائي يا رحيم تخيل لم أعلم بوفاتها سوى الآن لم أقف صلبًا كأبن صالح يأخذ عزاء والدته، حتى دموعي أبت أن تتساقط، علمت من أختي الصغرى أنك من وقف معهم في عزاها وكنت السند في كل وقت.
أتدرك يا رفيقي لو لي أخًا لم يفعل لي كما فعلت أنت، أخبرتني دومًا ولم أصدق قولك إن رب أخ لم تلده أمك فأنت هذا الأخ ونعم الصديق.
أعذرني يا صاحبي أخذت عهدًا أن لا ألقاك وأنا تائه في دنيا مازالت تعاقبني على أفعال الماضي، خمس شهور الآن منذ خروجي لم أجد عملًا الأبواب تغلق بوجهي لمجرد معرفتهم إنه تم سجني من قبل
تعبت يا رحيم ماتت روحي وأن ما أعانيه أشد قسوة من موت الجسد لقد اخترق الندم كل ذرة من كياني أوقاتا كثيرة يسيطر على فكر الانتقام من كل من أوصلني لهذا الانهيار ولكن هل لضعفي معنى الآن، في كل الأحوال أصبحت بسجن أبدي نتاج لخطأ واحد ارتكبه طيشي
أتعلم يا صديقي أمس أخذت رسالتي هذه وذهبت أسفل منزلك حتى أتركها وأرحل متمنيًا أن تراني وتتمسك بي كعادتك لعلِ أبكي وقتها لأول مرة منذ خروجي من السجن
لم أملك الشجاعة بعد أن أراك؛ فملابسي البالية وشعري وذقني لم اتذكر متى هذبتهما تراجعت وأنا على اول درجات منزلك، وأسرعت خُطايا قبل أن تلمحني صدفة.
ألملم جسدي في الطرقات مع آذان الفجر جلست على بابه وخجلت أن أدخل حتى ألتقت عيناي معه شاب في الثامنة عشر مازال شاربه وذقنه يحاولون رسم ملامحه نظر لي بعينيه السمراء الضيقه وقال بصوت هامس يسكن القلب الضال هيا يا أخي لتصلي لم أستطع الرفض ولا القبول حينها ولكنه لم يترك لي مجال للاعتراض سحبني من يدي وذهب معي للوضوء وقفت خجلًا بين يدي الله لم أتذوق حلاوة الصلاة من سنين يا لها من حلاوة يا صديقي.
جلست أبكي لأول مره منذ دخولي السجن جلس الشاب أمامي بعيون متسامحه كأنه أستشف ما داخل قلبي ويمحو ذنوب السنين بنظراته البريئة، بعد أنصاته لقصتي يا رحيم أخذني من يدي إلى والده الجالس في ركن من المسجد يسبح وحكى له كل شيء حدث لي منذ ذلك الحين لم افارقه وعملت معه في تجارته لأول مرة منذ خروجي من السجن أجد الطمأنينة يا صديقي.