صديقتي..
لن أخبرك أني مازلت صامدة، قوية، متحملة الغارات فقد خارت قواي وأصبحت هشه كأوراق الخريف أتساقط بين الحين والآخر، لقد نجح الإحتلال يا رفيقتي فلم تعد الأرض في وضعنا هذا لها الأولوية فأصبح الحفاظ على أرواحنا دون قصف وأشباع صغارنا بفتات الأرض هو الأهم، أتعلمين أمس ضحك وجه أبني على لأول مرة من شهور لتناوله الخبز النظيف وليس خبز البهائم نعم لم أبالغ كنا نتاول خبر البهائم ونستثبغ مرارته؛ حتى لا نموت جوعًا حتى حصولنا على الماء أصبح معجزة، لقد ابتسمت اليوم ابتسامة ممزوجة بدمعة حارقة عندما تساقطت الأمطار أتتذكرين عندما كنا نتشاجر وكنت أخبرك أني محبة المطر وشرب القهوة وسماع فيروز، وأنتي تفضلين الصيف بسطوع الشمس ودفء الجو والملابس الزاهية، أحب أن أخبرك الآن لقد هزمني المطر وأشفق على أطفالي من البرد، لم يهتم الإحتلال ولم يشفق على أحد فالقصف مستمر على كل حال، لن أنسى اليوم الذي سمعت صرخة علي عندما استيقظ خائفًا من صوت القصف حملته بحضني وامسك كريم بعبائتي ونزلت مهرولة بالطرقات وزوجي يحمل نور لم نعرف حينها إلى أين سنذهب، كل ما أدركته أن منذ فقدنا منزلنا فقدنا معها إنسانيتنا، لقد وصل بنا الحال يا صديقتي إلى أن كلما وجدنا خبزًا أو ماء نظيفة نخفيها عن الأنظار حتى لا يشتهيها أطفال الجيران، هناك غصة بقلبي لا تنتهي ولا أعلم متى سأعود إلى نفسي رغم أني مازالت أصارع وإلى الآن على قيد الحياة ولكن بداخلي مت العديد من المرات..