الروح الحبيسة لا تستطيع أن تحب بل تكون مقيدة حزينة معرضه للأكتئاب والموت المحقق، السجن قد يؤدي إلى تباطؤ الأنفاس، وجمود الأحساس، مهما كانت الحياة مليئة بالحب بداخل السجن ستختار الحرية حتى لو كان بها الهلاك
حاولت تدقيق البصر في الظلام، لكن لم أرى مسلم توترت، وقع الطعام، الكتاب من يدي وناديت بعلو صوتي مسلم أين أنت؟!
خرج مسلم من الغرفة الصغيرة يلهث في توتر قال بصوت خافت: هل تنادي عليَّ؟!
قلت له أين كنت ومنذ متى وأنت تدخل هذه الغرفة كنت دومًا تخاف من الدخول بها فلم ندخلها أبدًا من قبل!!
اخفض مسلم رأسه، ولم ينظر بعيني قال: كنت أحاول القضاء على خوفي لا اكثر كما شعرت بالقليل من الملل وحدي
محاولًا منه أن يغير الموضوع
قال وهو يتجه ناحية الطعام ماذا احضرتي اليوم؟ لقد تضورت جوعًا
أسرعت إلى الغرفة فهي صغيرة جدًا لا تكفي سوى شخص واحد يمر بها، في نهايتها شباك حديدي مليء بالصدأ، بالعناكب
عدت وقد ملأت الريبة قلبي
جلست أتناول الطعام بشرود، ومسلم يحاول الأبتعاد عن النظر بعيني.
بعد الإنتهاء من الطعام
غاص بأحضاني كعادته، لكن حضنه اليوم كان باردًا مليء بالتوتر فأنا أشعر بذلك بقلبي
حاولت أن أبعد الشك عن قلبي ثم تحدثت معه عن جمال الحب، ونقاء الإخلاص، المشاعر الفياضة التى أكنها بداخلي له.
زادت ضمة مسلم لي ثم قال : أوصفي لي الكون دومًا أقرأ عن جمال زرقة السماء، رقة أنسياب الأرض، وشعاع الشمس الذهبي وفضية القمر هل هم حقًا بهذا الجمال أم مجرد حروف تم رسمها على صفحات الكتب؟!
وضعت قبلة على جبينه ثم قلت: أتعلم جمال السماء كجمال هذه القبلة، حرارة الشمس تشبه حرارة حضنك، فضية القمر كعذوبة الكلمات الرومانسية التي تدور بيننا كل يوم حتى انسيابية الأرض كنعومة النظر بعينيك لم تفقد الكثير بعدم رؤيتك للعالم؛ لأنك حقًا تعيشه بداخلك بكل مشاعرك، وبنبضات قلبك المولعة بحبي أليس كذلك يا مسلم ألم تحبني؟!
نظر لي وبادلني قبلة على جبيني وقال: لم احبك فقط، لكن أهيم بكِ عشقًا ابتسمت أبتسامة ساحرة فرغم سمار بشرتي وعيوني الضيقة بلون القهوة، لكن لدي ابتسامة ساحرة كفيلة أن تنسيه العالم بأسره.
مرت السنوات كمرور الريح في ليلة عاصفة، اليوم تم مسلم الخامسة عشر عدت من العمل أحمل تورتة صغيرة، قالب الشيكولاتة المفضل له والشموع التي تنير الكوخ رغم أني لا أحتاجها فوجوده بجواري يكفي؛ لينير لي حياتي بأكملها.
عند دخولي فلم أجد مسلم كدت أصاب بالجنون هرولت إلى الغرفة الصغيرة، كان الشباك مفتوح صرخت ثم قفزت من النافذة دون أن أشعر بإلتواء قدمي.
وجدت مسلم يقف مع فتاة في العشرين يضحك واضعًا يده على رأسه بين الحين، والآخر كما كان يفعل معي عندما يخجل زادت ضربات قلبي، وشعرت بالدماء بداخل عروقي ثائرة
ذهبت إليه بهدوء عكس ما بداخلي أمسكت يده أمامها فنظر لي، وأصفر وجهه مع التلعثم ثم نظرت للفتاه فكانت حسناء بعيونها الزرقاء، وجهها الوردي، وشعرها الطويل كأميرات ديزني، قلت بصوت أجش وبعيون صارمة: ماذا تفعل يا حبيبي هنا كنت أبحث عنك لأحتفل بعيد ميلادك؟!
نظرت له الفتاه بابتسامة لا تخلو من البرائة حقا أن عيد ميلادك اليوم كل سنة وانت طيب يا مسلم.
كدت أتنازل عن هدوئي المصطنع، اقتربت منها بوجه غاضب، لكن قاطعني مسلم، قال: هيا يا حبيبتي إلى منزلنا، دون النظر خلفي ذهبت معه، دخلت مع مسلم الكوخ وأغلقت الباب خلفي وقبل انتهاء صوت أزيزه بدأت في الصراخ بدرجة جعلت القطط تفر للخارج دون الإلتفاف خلفها تبحث عن أبعد مكان للإختباء..