الفصل الثالث
تمر السنوات سريعًا كمرور الريح في ليلة خماسينيه، اختفيت ثلاث سنوات عن عيون البشر لا يعرفني احد ولا يدرك هويتي أى شخص فالحي الجديد الذي انتقلت له لا يعرف عنى سوى أني فتاة صغيرة يتيمة حتى تم نعتي من الجميع باليتيمة، شعرت بالإرتياح ولم يصيبني الأرق والكوابيس كما كان يحدث في بداية هروبي، فأصبحت أكثر أستقرارًا، روحي كل يوم تزيد شغفًا بالحب الذي ينتظرني، لكن تأتي دومًا الرياح بما لا تشتهي السفن فقد رآني شخص من الحي القديم وتعرف علىَّ، صدمته برؤيتي أكبر بكثير من صدمتي، أسرع نحوي ودقق بملامحي ثم أكد لنفسه نعم أنتي منار.
أخبرته بصوت متذبذب خائف: لا لست أنا قد تشابه عليك الأمر.
ركز الرجل قليلا ثم قال كأنه لا يسمع كلامي: لقد ضاع عقل أمك بعد هروبك يجب أن تعودي معي فهي في حاجة إليكِ.
علا صوتي وقلت بعصبية: قلت لك لست أنا أبتعد عني.
جاء صاحب المتجر، سألني ماذا يحدث؟! فأخبرته أني لا اعرف هذا الرجل وهو يضايقني.
أخبره الرجل أنه حقًا يعرفني، أن والدتي جاره له وأني هربت منها منذ سنوات
كذبته وأنا أصرخ أنه يريد خطفي، أنا لا أعرفه
بعد ساعة من الشجار ذهب الرجل بعيدًا بعد ازدحام الناس، وكادوا يضربوه حتى يرحل
فكيف يصدق الناس هذا الرجل ويكذبوا الطفلة البريئة اليتيمة التي تعيش بينهم منذ ثلاث سنوات.
كنت أنتفض من الخوف لا أحد يعلم أني أخاف أن تكتشف الحقائق، لكن مت رعبًا أن يكشفني هذا الرجل ويعرف سري.
شردت كثيرًا ذلك اليوم، حتى طلب منى صاحب المتجر أن أذهب لأستريح، عدت إلى الكوخ الصغير، لم ألعب مع مسلم أو أحتضنه كما أعتدت، أثناء شرودي وجدت بصيص نور في الغرفة ألتفت وجدت مسلم فتح الباب، نهضت مسرعة مع خفقان قلبي، وأغلقت الباب سريعًا فقد نسيت أن أضع خلفة كرسي كبير لا يستطيع تحريكه، غضبي فاق الحد ولأول مرة ضربته على وجهه، وكفه بشدة، لم أبالِ ببكائه وحذرته من أن يفتح هذا الباب مرة أخرى، فإذا حاول الخروج سيموت.
غفا مسلم هذه الليلة من شدة البكاء، مازال عقلي شارد بالرجل الذي كشف أمري، لم أنم هذه الليلة أبدًا، حتى لم أستجب لمواء القطة لإطعامها كما أفعل كل يوم، تغيبت اليوم التالي عن العمل، قررت أن أغير مكان عملي حتى لا يستطيع الرجل إذا عاد مرة أخرى أن يصل إليَّ ومع بحثي طول النهار عن عمل جديد وجدت عمل في متجر ملابس، انهيت عملي وذهبت لشراء الحلوى، فور عودتي وجدت مسلم يبتعد عني خوفًا، لكنه سرعان ما نسى كل شيء، وعاود الاقتراب واللعب معي فور رؤيته للحلوى، علمته أنه يقول لي ميمي واحيانا أخرى طلبت منه أن يردد كلمات الحب
مرت السنوات سريعًا، اليوم احتفل مع مسلم بيوم ميلاده العاشر وظهرت ملامحه الجذابة عيونه الحادة سمراء اللون، شعره الاسمر الطويل يصل لكتفه، وجسده النحيل جلس بجواري هذا اليوم، هو ينظر ببسمته المملؤة بالبرائة، قال لي: ميمي تعلمين اني احبك فأنتي قلبي،روحي، لكن لم تهربين دومًا من الإجابة عندما أسألك اين تذهبين وماذا يوجد بخارج هذا الباب الخشبي ولِمَ تغلقيه من الخارج عند خروجك بقفل كبير؟!!!!
لم أنظر بعينيه، أجبته بتوتر: دومًا تقضي على لحظاتنا السعيدة بهذه الأسئلة المملة، قلت لك قبل ذلك انت حبيبي، هناك قانون بهذه البلدة بقتل كل من يحب؛ لذلك أخاف عليك، أخفيك عن كل البشر.
اذا توقفت عن حبي أخبرني؛ لكي ابتعد عنك
وضع مسلم يده على شفتي قال لي: لا تقولي هذا أنا أعشقك، ولا استطيع الإستغناء عنكِ أبدًا.
قلت له وأنا أنظر بعينيه: إذن لا تسألني مرة أخرى هذه الأسئلة، كما أخبرتك من قبل عندما تتم عامك العشرين سنطوق هذا العشق بالزواج.
قال وهو يخفض رأسه: لكن لا أعلم كيف سيكون هذا الزواج فإنها كلمة أعتاد سماعها دومًا، ولا استطيع يومًا فهم معناها الحقيقي
رفعت رأسه بيدي وقلت له: لا تهتم حينما يحين الوقت سألقنك كل شيء كما علمتك تقرأ، وتكتب وتعيش معي كل اللحظات السعيدة
نام مسلم راضي سعيد بأحضاني، وأنا أرتب على شعره الناعم مع ابتسامة لا تفارقني كلما سافرت بعقلي للمستقبل، أرى البذرة التي زرعتها تنمو، وتزدهر؛ لتكون ثمارها لي فقط.
تنقلت بين عمل وآخر خوفًا من أن يتعرف عليَّ أحد أكافح، أصارع كل شيء حتى أحافظ على مسلم أن يكون لي فقط.
لا يرى النور الذي قد يحول قلبه للظلام وتخليت عن كل شيء حتى لم أعد أذهب للحي القديم؛ للإطمئنان على أمي كما فعلت في السنوات الأولى لهروبي.
عدت من العمل كعادتي بكل حيوية، بهجة مناشدة أغنيات الحب كعادتي كل يوم عند عودتي من العمل.
حبيبي انت روحي وحياتي يا كل آمالي سكنت في وجداني
كنت أحمل الطعام وبيدي الأخرى كتابًا جديدًا