الفصل الثاني
---------
مازال المطر ينهمر، لم تتوقف صرخات الطفل بعد، كان يرجف من البرد أحتضنته بقوة، هرولت وأنا لا أعلم أين أذهب، وكيف سألقي بهذا الصغير البريء؟!
وضعته بجوار قمامة تبعد عنا بضعة أمتار، لكن تملكني الخوف عندما تحول لونه إلى الأزرق وتوقف عن البكاء..!!
بعد ساعتين عدت إلى المنزل وجدت أمي تنتظرني أمام النافذة أسرعت تفتح لي قبل أن أطرق الباب، وسحبتني للداخل
قالت بعصبية لِمَ كل هذا التأخير؟
نظرت لها ولا تعلم هل الماء على وجهى ماء المطر أم دموعي الحارقة ثم أخبرتها أني ألقيته بالقمامة التي تبعدنا بأربع شوارع، قبل أن أتركه في هذا البرد القارص، وأرحل توفى
تنفست أمي بعمق كأنها تخلصت من ذئب بشري ليس طفل صغير لم يتعدى عمره ساعات قليلة.
دخلت غرفتي، جلست على الأرض سانده على حافة المضجع قرفصاء واضعة رأسي بين راحة يدي افكر في كل ما حدث، ماذا سيحدث، كيف سأتصرف؟!
أنتظرت ولم يغمض لي جفن، مع شروق اول شعاع الشمس بدأ منزلنا في الإزدحام من الجيران فقد وصلهم الخبر من أمي.
هنا قررت أن أنفذ القرار الذي ترددت طيلة الليل في تنفيذه أحضرت حقيبة صغيرة،
وضعت بها ملابسي، أخذت بعض النقود التي ادخرتها أمي بداخل صندوق خشبي.
ثم قفزت من النافذة؛ حتى لا يراني أحد الجيران.
أطلقت لقدمي العنان، وأنا اتذكر كل شيء حدث بالأمس كأنه شريط سينيمائي.
لم أتحمل تركه بهذا الحال، وأدير له ظهري
لقد أشفقت عليه فهو صغير، ليس خائن كبقية الرجال تذكرت صديقتي سلمى عندما أخبرتني أن الرجال ليسوا خائنين بالفطرة بل الأم عند تربيتها لهم هي فقط القادرة على خلق بذرة البراءة أو الغدر بداخل قلوبهم.
لم استطع يا أمي إلا ونزع الجاكيت الخاص بي، وتدفئته جيدًا ومحاولة أنقاذه بشتى الطرق حتى عاد لونه للإحمرار، وصوت بكائه الضعيف، رعشه أكاد أؤكد أنها أصابتني أنا الأخرى.
سأثبت لكِ يا أمي أنه سيكون ملاكي الصغير سيحبني أنا فقط، يكون إخلاصه لي لأبعد الحدود سترين ذلك يومًا بعينكِ.
ذهبت للكوخ المهجور بالزاوية، دخلت لأول مرة أشعر أن هذا بيت من الجنة ليس مجرد كوخ مهجور لا يوجد به سوى القمامة والرطوبة.
هناك بجوار القطيطات الصغيرة يرضع معهم مع قطتي التي طالما تحدثت معها.
كثيرًا ما كانت تلتف حول قدمي لأقدم لها الطعام، واعطيها الحنان ها هي ترد لي الجميل الآن، وتطعم صغيري دون ملل أو تعجب.
ستكون هذه القطة أمه أما أنا من سأكون بالنسبة له ..!!
نعم سأكون حبيبته الوحيدة سأعلمه أني فقط الموجودة بالحياة أنا الفتاة الوحيدة بالعالم التى تستحق قلبه لن يرى غيري، ولن يشعر بوجود روح أخرى ولن يخون.
نعم يا أمي سيكون مجبر على حبي أنا فقط، سنعيش سعداء معًا أنا وهو بعيدًا عن عالم قد يلوث قلبه أذا اختلط به؛ لذلك من الآن سيكون ملكي أنا ..
مرت علينا أيام صعبة كدنا نموت من البرد، من المرض، من الجوع والعطش، لكن كنت أترك قطتي تحرسه؛ لأني بدأت في عمل جديد، أرجع له بين الحين والآخر أغني له أغاني الأطفال وأنشد له نغمات الحب الجميل، أسرد عليه حكايا تتشبع بالرومانسية والنعومة
كنت أشتري الكتب مع الطعام حتى أقرأ كيف استطيع أن أربيه تربيه تجعل منه رجل صالح فأنا أخوض معركة من أصعب المعارك، لكن يجب أن أنتصر في النهاية.
أوقاتًا كثيرة ذهبت لحينا القديم أنظر لأمي من بعيد، أراها تبكي على عتبة باب منزلنا، مع الوقت حالها تغير، أصبحت هائمة لا ترى أحد، غير واعية فقد أصابها مث من الجنون حتى أنها رأتني يومًا وعيني بعينيها، لكنها لم تتعرف عليَّ حزنت، وبكيت كثيرًا حلمت باليوم الذي أعود إليها، وارتمي بأحضانها، وأخبرها أنى دخلت معركة وفزت بجدارة، حلمت أن أغير فكرها عن خيانه وغدر الرجال.
فكرت أن آخذها معي، لكن ليس الآن ستعطلني عن رحلتي التي لن أتراجع عنها بعد عام كامل من الحرب مع الحياة، ومع حبيبي "مسلم" الذي أربيه بيدي، أعتادت عيني على الظلام بداخل الكوخ، لكن نظفت الغرفة، كانت دائما برائحة العطور حتى لا يمرض مسلم، ادخرت النقود؛ لكي أشتري له الألعاب، وعندما تم السنتين ملأت الغرفة بالشموع كانت فرحته لا توصف أنه لأول مرة يرى نور حوله ويرى جيدًا كل ما يحيط به، لكن عند خروجي اطفأت الشموع خوفًا أن تحرقه، أشبعته دومًا بكلمات الحب والعشق حتى تعتادها أذنه الصغيرة؛ حتى يمتلأ قلبه بالشغف أن يقولها يومًا ما، ذهبت المتجر الذي أعمل به وعند دخولي سمعت صوتًا ليس غريب علىَّ ينادي بتعجب منار ..