الفصل العاشر
تخيلت أن أعيش أيامًا بطعم العسل أغوص بالشهد، حياة يملأها ترانيم من السعادة والحب لكن الحقيقة أن الخيانة رسمت لي قصاص من بعيد ونصبت مشنقة ألتفت حول رقبتي دون شعوري، وأشتدت حبالها يومًا تلو الآخر حتى جائت اللحظة الحاسمة..
ضمها ضمة واحدة كأنه يريد إدخالها بقلبه اقتلعتها من بين أحضانه وألقيتها بعيدًا كما تلقى الشجرة أوراقها في ليلة خريفية
أمسكت شعره بقوة وهو يذرف دموعًا تختلط بدمائها فمن لا يدرك الأحداث يعتقد أن عينيه تبكي دمًا من أجلها، قلت: لقد تخلصت منها إلى الأبد دعنا نعود كما كنا ..
لم يجب بل نظر لي بإشمئزاز، لكن لم أبالِ، ذهبت مهرولة إلى الغرفة الصغيرة أحضرت أدوات الحفر التي جهزتها منذ حضورها، بدأت في حفر قبرها الأبدي، بعد ساعات طويلة لا أعرف عددها أصبح كل شيء جاهز مسكتها من ذراعها البارد، سحبتها زاحفة على الأرض حتى ألقيت بها بداخل القبر ثم ردمت عليها بكل قوتي صارخة ليتكِ لم تظهري بحياتنا فقد دمرتيها أيتها الفاجرة.
خرجت من الغرفة بيد مرتعشة بجسد خارت قواه جلست بجوار مسلم مع تحول كل شيء للون الأحمر، لكن روحي تخلصت من ثقل عميق كان يحطمني كل يوم، لأول مرة أنام بإرتياح على كتف مسلم فتحت عيني على صوت امطار بالخارج تدق الباب تريد اختراقه رغم أننا في الصباح، لكن لا يوجد أشراقة الشمس ولا زهوة للسماء، نظرت لمسلم كان يرمقني بغضب بعيون حمراء واضح أنها لم تنم أبدًا..
لم اهتم بنظراته القاسية، نهضت أنظف المكان ثم بدلت ملابسي ثم ازلت أحد القيود لمسلم؛ حتى أستطيع تبديل ملابسه هو الآخر..
مضى يومين.. لم يتكلم مسلم معي على الإطلاق، قررت أن أتركه لا أضغط عليه، حتى استطيع أنعاش حبه المحتضر من جديد داخل قلبه، مضى اسبوع وأنا أنام بحضنه عنوة لا يضع يده على خصري إلا أذا وضعتها أنا، حضنه أصبح بارد كالثلج، أكاد أجزم أني اسمع لعناته بكل نفس يخرج منه، مع الوقت أصبحت حياتنا ثملة في أيام ثقيلة تمر ببطء كنت أصاب بالجنون أوقاتًا كثيرة، وأرغمه على تقبيلي وأحتضاني، أردت أستعادة حبه حتى لو كان رغمًا عنه، نظراته لي أصبحت باهته ضائعة في طريق لا عودة منه، استمرت الشرطة تأتي إلى الحي بين الحين والآخر تبحث عن الفتاة المفقودة دون جدوى، ذات يوم أوقفني شرطي ومعه صورتين صورة الفتاة وصورة تشبهني كثيرًا مرسومة مع سؤاله عن إذا رأيت أحد من هاتان الفتاتان بعيون زائغة برأس منخفض أنكرت أني رأيتهما من قبل ثم ذهبت سريعًا من أمامه، لم تكف الشرطة عن البحث إلا بعد معرفتي بوفاة أم الفتاة، هدأ حينها كل شيء
مضي شهرًا وحال مسلم كما هو، تملكني الغضب فأنه حقًا لم يرى غيري بعينيه الآن، ولكن أشعر بقلبه فهو يخونني بكل دقيقة بحزنه على هذه الفتاة فأني أبغضها، أحسدها حتى وهي تحت الثرى، أغضب وأثور كل يوم فقد طفح بي الكيل بالتودد والتذلل كل يوم لأسمع كلمة تروي وجداني العَطِش، أخبرته مهددة بلحظة غضب: أن خيال الموت يحوم حولنا كصقر ينتظر الفريسة لينقض علينا، إذا لم تساعدني لإنبعاث شمس الحب بداخلنا من جديد ستكتب علينا الموت المؤكد..
لم يكن لديه أي رد فعل فزاد حنقي عليه، ضربته بقوة بقدمي ثم هززته بعنف شديد فارتطمت رأسه بالحائط، أغمض عينيه باستسلام مع تحول شعره للون الأحمر
وقفت في ذهول سقطت، وأنا أشعر بثقل في كل أطرافي بصوت مهزوز: مسلم أعتذر لم أقصد ذلك أنا فقط كنت غاضبة مستحيل أن ترحل، وتتركني لا استطيع العيش بدونك، أسرعت وازلت قيوده سريعًا، أقتربت منه؛ كي استمع إلى أنفاسه مع قولي كفى مزاحًا هيا أفتح عينيك لم أقيدك بعد الآن مسلم هيا أعلم لم أهن عليك أني أخاف لا تفعل ذلك ارجوك..
حاولت مسح وجهه من الدماء المتساقطة عليه من رأسه، بيد مهتزة وقلب يلهث بدموع لا استطيع السيطرة عليها، الغريب أنه كان مبتسم، وهو نائم نومته الأبدية، صرخت صرخة مدوية زلزلت المكان غصت بأعماقه مع تمتمتي هيا دعنا نتزوج الآن أمامنا أيام جميلة سنعيشها سويًا.
أغمضت عيني لعلي أشعر بداخله بقليل من الدفء الذي اشتقت له لكن البرودة ازدادت حتى أصبحت كالثلج في ليلة شتاء
مر ثلاثة أيام.. كأنهم دهر لم أترك حضنه أتداخل كل يوم بأعماقه لعل أسمع دقة تبعث الدفء في جسده البارد.
فتحت عيني ذات صباح بتكاسل على طرقات الباب كادت أن تكسره لم أبالِ، وبعد قليل زادت الطرقات حتى تم كسر الباب، سمعت أصوات حولي لم أدرك ماذا يقولون كانت كالرصاص يصم الأذان، كان هناك ضجيج بعقلي، ضوضاء بقلبي لا تتركني أستمع لشيء آخر..
حاول أحدهم إبعادي عن مسلم بكل قوته، فشلت في أن أظل متمسكة به، صرخت عيني عندما حمله أحدهم للخارج، هرب صوتي لمكان بعيد لا أستطيع إيجاده بعد، لم تتركني روح مسلم فهي معي في كل وقت أحيانًا أراه ممسك بيدي من فوق جبل، نقفز سويًا إلى القاع نلفظ آخر أنفاسنا مبتسمين دون سقوط قطرة دم واحدة، وها أنا ذا أهيم بشوارع العاصمة بعد هروبي من العباسية أبحث عن مسلم أجده أحيانًا فأمرح، نقيم مراسم زفافنا المؤجلة وأوقاتًا يختفي ضيه مع سكون الليل فأعود من جديد في رحلة بحث لا تنتهي، فكلما رحل أقع في فراغ عقلي لتنقسم آراء الناس فمنهم من يراني الفتاة البريئة التي ضيع عقلها الحب، وآخرون يروني الشيطان الذي أرغمت الحب على الإيمان بي، وعندما كفر بي قتلته .
تمت بحمد الله