أهداء
-اهداء لكل قلب لم يعرف الخيانة طريقها إليه.
-أهداء إليك يا من أخترت النقاء رغم صعوبة الوصول له وأبتعدت عن كل ما هو ملوث رغم سهولة وجوده
-اهداء لأمي الحبيبة رحمها الله التي ستظل أكبر الداعمين لي ..
المقدمة
عندما نعجز عن وصف الأحداث، نحاول تصويرها كما نشعر بها ونضع ألف مبرر لكي نصحح يأس الحياة متخيلين أن يإيدينا نستطيع تبديل الكره لشغف، والخيانة لإمتلاك، والسجن لسعادة لا تنتهي، لكن هل حقًا نحن قادرين على اللعب على أوتار ناي لنعزف سيمفونية حياة جديدة، نرسم على ألواح القدر روح تشرق وتزدهر كدهرة خرجت للحياة بين الصخور ويظل التساؤل هل حقًا نستطيع..؟!
الفصل الأول
أرتويت بدموع أمي، وأنا مازلت في المهد صوتها الحزين، قصصها المؤلمة التي روتها لي، لم أستمع يومًا لقصص الحيوانات أو قصص خيالية كبقية أطفال الجيران فكل الحكايا التي استعمت لها كانت عن أبي، وقسوته وخياناته المتكررة مع كل سيدة يراها، فكما كانت أول قصة عن الغدر كانت أول انشودة احفظها عن الخيانة، هجر الأحبة ، أوقأتًا كثيرة استيقظت وجدت جبيني مبلل بدموع أمي ، لا أخفيكم سرًا لم أفهم في البداية المعني الحقيقي للخيانة كل ما أدركته أنها شيء مؤلم، شيء يكسر كل شيء مفرح، ويقتل البهجة من داخل قلوبنا ؛ لأن كلما كلمتني أمي عنها تبكي بشدة وصوتها يتحول من الصوت الناعم الجميل المحبب لقلبي لصوت يملأه النحيب والحزن، حاولت كثيرًا أن أتذكر ملامح أبي فقد هجر أمي وأنا في الخامسة من عمري، أتذكر جيدًا جلباب أمي الممزق ومنديلًا صغيرًا فوق رأسها يظهر منه ضفيرة سمراء قصيرة عندما كانت تحملني فوق كتفها وهي تبيع الخضروات أو تنظف سلالم العمارات، أو تجلس بأبناء الحي الصغار؛ لتعتني بهم حتى يعود ذويهم من العمل، كلما كبرت كان تحذريها لي من الرجال يزيد، أنهم وحوش متجسدة بصورة بشر، يجب الإبتعاد عنهم بكل ما أوتينا من قوة حتى لا نحاول الأقتراب منهم وهم أطفال؛ فالخيانة والغدر بدمهم منذ ولادتهم؛ فامتنعت من اللعب معهم أو الدخول معهم في أي حوار، كلام أمي أخافني بشدة فابتعدت عنهم، راودني دومًا حلمًا أن أولاد الحي يقتربون مني وأنا أصرخ، كلما اقتربوا تحولت أشكالهم لوحوش مخيفة، واستيقظت فزعة متصببة عرقًا، أرتمي بحضن أمي محاولة تهدئتي، أسرد لها ما رأيت بدموع منهمرة، ظل الكابوس يراودني كثيرًا، في كل مرة أمي تؤكد لي أن حقيقتهم وحوش من الداخل، ينتظرون الضحية حتى يفترسوا قلبها بالكامل، ولا يتركوه إلا هو أشلاء مبعثرة
مرت السنوات.. حانت لحظة دخولي المدرسة هذه هي المرة الأولى التي أبتعدت فيها عن حضن أمي، لعبت دومًا مع الفتيات، وأدرت ظهري لكل فتى محاولًا الأقتراب، أشفقت دومًاعلى أمي عندما استمعت لصوت بكائها كل يوم ليلًا، في البداية كنت استيقظ وأذهب بحضنها أصبحت تغمرني بدموعها، وتضمني بقوة بداخل قلبها كأنها تخشى من أبتعادي أنا الأخرى عنها، كلما كبرت بدأت إلى حد ما فهم معنى الخيانة، وكيف تركنا أبي عندما تعرف على سيدة أخرى أجمل، وأغنى من أمي فتزوجها وهرب معها تاركًا أمي وحيدة تصارع الحياة من أجل أن تعيش طفلتها دون ان تحتاج شيئًا، أصبحت حينها في سن الطفولة، لكن بعقل وقلب سيدة في الكهولة، ساعدت أمي في عملها فتعلمت كل شيء وأنا بسن صغير، تعلمت طهى الطعام، الاعتناء بالصغار، حتى تنظيف المنازل التى كانت تذهب إليها عاونتها دومًا ، لكن ما لم تعرفه أمي أني أحتجت لأهم شيء وهو الشعور بالأمان أحتاج لوجود أب يحتويني وأم تسرد لي قصص الحيوانات عند النوم كبقية أطفال حارتنا الصغيرة، أحتاج إلى سماع أناشيد أخرى كالتى أستمعت إليها عند الجيران المليئة بالبهجة والحب والعنفوان، لم تترك أمي فرصة إلا وتذكرني بخيانة أبي، خشيت أن أخبر أمي بمشاعري، وأحتياجي لأب يلعب معي كصديقتي سميرة، أخ يضرب كل من يحاول أن يؤذيني ليحميني كمريم أبنة الجيران، مع مرور الوقت أصبحت احب العزلة والسير وحيدة بين الحارات، أتأمل الناس، أجلس أشاهد كل أب يلعب مع أبنائه في أحد الطرقات، مهما أبتعدت كنت أحفظ الطريق وأعود بعد ساعات إلى بيتنا الصغير، في أحد المرات وأنا أتجول كعادتي وجدت كوخ مهجور من دور واحد تحيطة القمامة من كل الجهات حتى الباب نصفه مغطى بالقمامة لا يقترب منه أحد تحوم حوله القطط والفئران لعلها تجد غذاء لنفسها، يعشش به العنكبوت، لفت انتباهي عزلته ووحدته فهو أشبه بحياتي، وبنفسي من الداخل المليئة بالاحزان والهموم حاولت مراراً فتح الباب حتى نجحت في مرة، كان يجب أن اخفض رأسي عند الدخول، كوخ مليء بالأتربة يسوده الظلام، تشعر لوهلة بلمسات الأشباح، لا أعلم لِمَ شعرت بالألفة بهذا الكوخ رغم وحشته، فإنه يشبهني كثيرًا، صغير، مهجور، الحزن والأتربة تغطيه من كل اتجاه، يحيطه الظلام فأصبح جزء لا يتجزأ من المكان، أصبحت أذهب إلى هذا الكوخ بين الحين والآخر أعبر من فوق القمامة وأفتح الباب الخشبي، أدخل أجلس قليلًا مع استنشاق رائحة الرطوبة، ورسم خطوط على التراب لا أفهم معناها، أتحدث مع القطط عن كل ما بداخلي، أتممت اليوم العاشرة من عمري، أنا، أمي ورفيقتنا القصص عن الغدر، الخيانة، والطعن من الخلف فكلما كبرت أصبحت القصص التي تحتوي على خيانة الرجال تكبر معي، وبغضي للرجال يزيد ويتوغل بقلبي، ويملأ روحي، ذات يوم في سكون الليل وتساقط رذاذ من المطر في منتصف شهر يناير مع تساقط دموع أمي سمعنا طرقات الباب بقوة وصرخة مدوية، هرولت أمي وأنا أحتمي خلفها واتماسك بجلبابها خوفًا، فإذا هي جارتنا تصرخ وتتوجع، ترجو أمي أن تنقذها فهي حامل، زوجها هجرها وجاء موعد الولادة، ساعدتها أمي على الدخول، مع محاولات مستميتة لكي تلد بسلام، لكن مع خلق روح، وصرخات وليدها كانت هناك صرخة أخرى سحبت الروح منها، أرتفعت لأعلى عند خالقها، أعطتني أمي الطفل وأخبرتني أن أذهب به بعيدًا وألقه في أي مكان لأنه شؤم على أمه وأخذ روحها، سيكون مثله مثل كل الرجال في المستقبل، يجب التخلص منه سريعًا قبل أن يفيق الجيران، وحينها سنخبرهم أن الأم ماتت وفقدت وليدها وتم دفنه في الحديقه بآخر الشارع، حملت الطفل وأصابتني القشعريرة، قلبي صار يرجف ووقفت لحظات بمكاني حتى فقت على صرخات أمي دافعة لي خارج المنزل مؤكدة أن أعود سريعًا بعد التخلص من هذا الطفل..