رُحت للأولاد وقلت لهم:
ـ حبايبي، أنا ظابط شرطة، وجاي أسألكم عن عبد الرحمن صاحبكم، علشان نعرف نرجّعه يلعب معاكم تاني.
فيه ولد عنده حوالي عشر سنين جه وقال لي:
ـ هو كان بيعيط، علشان الواد محمد ماكنش راضي يخليه يلعب كورة معانا، وبعدها لقينا بنت في إيدها عروسة بتشاور له، راح لها، مسكت إيده ومشيت على أول الشارع.
قلت له وأنا باصص على باقي الأولاد:
ـ محدش شاف بعدها راحت فين؟
فيه ولد قرب مني وقال:
ـ أنا ندهت عليه وقلت له ما تروحش بعيد لحسن تتوه، بس البنت اللي معاه قالت لي إنها هتلعب معاه شوية وهيرجع.
قلت له:
ـ البنت دي شوفتوها قبل كده؟
كلهم ردوا مع بعض:
ـ لا يا بيه، أول مرة نشوفها، شكلها مش من هنا.
قلت لهم:
ـ طب اوصفولي شكلها.
ولد رد عليّ وقال:
ـ شعرها بني وطويل، وعينها ملونه بس أطول منه.
قلت لهم وأنا ببص على أول الشارع:
ـ طيب يا حبايبي، إن شاء الله هندوّر عليه وهنلاقيه.
مشيت لحد أول الشارع، وكانت سناء معايا، ما كانتش راضية تروح.
لقيت عمارة من دورين لسه بتتبني، على الطوب الأحمر، ومش ساكن فيها حد.
دخلت وطلعت السلالم للدور التاني، لقيت سقالات كتير مرمية على الأرض. قربت من السقالات وبدأت أشيلها، لأني حسيت إن تحتها حاجة...
وأول ما شلتها، كانت الصدمة:
طفل مدبوح من رقبته بآلة حادة مش موجودة، وميت.
سناء هجمت على الطفل وفضلت تصرخ بصوت عالي، وقالت بهستيريا:
ـ ابني! مين اللي عمل فيك كده يا ضنايا؟
شدّيتها بسرعة وهي بتصرخ، وقلت لها بحزم:
ـ مش عايزك تلمسي حاجة يا سناء، علشان ما نضيعش البصمات. أنا آسف جدًا... البقاء لله.
في الوقت ده، لقيت راجل في الأربعينات لابس جلابية وطاقية واقف ورانا، وقال وهو مصدوم:
ـ إيه ده؟ فيه إيه؟
قلت له وأنا لسه ماسك سناء:
ـ انت مين؟
قال بتوتر:
ـ أنا الغفير هنا يا بيه.
طلّعت الموبايل بسرعة واتصلت بالعسكري، وقلت له:
ـ تعالى حالًا إنت وكل اللي معاك للعمارة اللي في أول شارع الشعراوي.
قفلت معاه، وكانت سناء لسه بتصرخ وتعيط.
قلت لها:
ـ لازم تبلغي أبوه يا سناء حالًا، لازم ييجي ويتم استجوابه هو كمان.
بصيت للغفير وقلت له:
ـ وإنت، لازم تيجي معايا على القسم... ضروري.
قال بخوف:
ـ ليه يا بيه؟ أنا ذنبي إيه؟
قلت له بعصبيه:
ـ بعد التحقيق هتعرف ذنبك إيه.
واتصلت بالطب الشرعي علشان ييجي ويعاين الجثة.
وبعد ساعات، رجعت القسم، وبلغت سناء إن جوزها لازم ييجيلي أول ما يرجع البلد.
بدأت التحقيق مع الغفير اللي كان منهار.
كنت مصدّع جدًا، طلبت من العسكري قهوة، وقعدت على المكتب، وقلت للغفير:
ـ اسمك وسنك ووظيفتك؟
قال وهو بيمسح عرقه:
ـ اسمي أشرف محمد السيد، عندي ٣٨ سنة، وبشتغل غفير.
قلت له:
ـ ومن إمتى وانت غفير على العمارة دي؟
قال بعد ما فكر شوية:
ـ من سنتين يا بيه.
قلت له وأنا باسند ضهري على الكرسي:
ـ وإيه علاقتك بالطفل عبد الرحمن أحمد؟
قال بصوت مهزوز:
ـ يا بيه، أنا معرفوش. كنت ساعات أشوفه بيلعب مع العيال، بس ماليش علاقة بيه، ولا عمري كلمته. حتى العيال، لما كانوا بيحبوا يستخبّوا وهما بيلعبوا في العمارة، مكنتش بوافق.